إضافات تموزية - ناصر ثابت

(إلى رزنامة السقوط العربي)
*
ما زلتُ أقفزُ بين أردافِ الشوارع
باحثاً عما يقول الله في الكتبِ العتيقةْ
مستغرقاً في قصةِ التأريخ
مبهوراً بأحداثٍ لها شكلُ الخيالْ
بالدمعِ أنطقُ
لاعناً صوتَ الأكاذيب التي نبني عليها مجدنا
أو شاتماً فكرَ الخياناتِ العريقةْ...
ما زلتُ أقفزُ
في فضاءٍ لا يغادره التلوثُ
كنتُ مشنوقاً على أحبالِه
بين الخرافةِ والحقيقةْ
أين الحقيقةُ في بلاد أدمنتْ عشقَ السرابْ؟
* * *
وظللتُ أقترفُ التساؤلَ
قاصداً وجهَ الضبابْ
ماذا يفيدُ الشعرُ في زمن الخوارجْ؟
ماذا يفيدُ
إذا الطفولةُ أُعدمتْ قصفاً بنيران البوارجْ؟
أيعيدُ للأطفال أحذيةَ الأملْ؟
أيعيد لي حُلُماً نسجتُ خيوطه فوق الورق؟
في عصرنا..
الحُلْمُ إثمٌ
والتفاؤلُ – ويحنا – أقوى الجرائم..
-2-
أغفو على ساعاتِ تموزٍ
فلا يرتاحُ عظمي
وأظل مسكوناً بذاكرة الهزائمْ..
أصحو على صوتِ ارتطام الموتِ بالأطفال فجراً
لا أحاولُ أن أرددَ بعدَها
إلا كلاماً ضائعَ المعنى..
أوجه إبرة التلفازِ
في إِثْر المسافاتِ التي سقطتْ صريعة..
"ماذا ستخبرنا المذيعة؟"
واللهِ يفزعني السؤالُ
كأنه كفرٌ كبير قيل في يوم القيامة..
* * *
تموزُ شهرٌ يعبدُ الدمَ
والقذائفُ فيه أقربُ ما تكون من الجنوبْ
والشمسُ –حتى الشمسُ –
تحتَ سياط لعنته... تذوبْ
* * *
تموزُ يعلكُ لحمَ أطفالي
ويتفُلُه على رأسي
ورأس كرامتي..
وأنا هنا
في أرض أمريكا أطاردُ قسوة الأحزان
أبحثُ عن تحجر هامتي...
وأطلُّ من غبشِ النوافذِ
والزوابع... والغبارْ
أحكي عن الموت الذي استقوى على أهلي
وحطم عزوتي
ليمصَّ نهدَ غمامتي
-3-
قانا تعيدُ قوافلَ الموتِ المدجج مرة أخرى
وتدخلُ من ثقوبِ أنوفنا
قانا رفيفُ الروح في يوم طبيعي التسلسلِ
يأكلُ الأطفالَ
يشربُ خمرةَ الجثثِ التي نامتْ على قطع الركامْ
قانا رجوع الفَقْدِ للأشعارِ
والقصص القصيرة
والخطابات الطويلةِ
للعصافير التي انشغلتْ بلملة الضياءْ
للدمع حين همى على سطح الغمامْ
* * *
كم قانةً نحتاجُ حتى نبلغَ الميلادَ
أو ننهيْ فصولَ الإنهزامْ؟
كم قانةً نحتاجُ حتى نستفيقَ
ولا نعودَ إلى البكاء المر في لغةِ السلامْ؟
كم قانةً نحتاجُ حتى نستعيدَ
زخارفَ الأفعالِ من صخر الكلامْ؟
-4-
سأظلُّ أقفزُ بين أردافِ الشوارعِ
باحثاً عن لحظةٍ لا تطحنُ الجسدَ المُضاءْ
أو باحثاً عن إسم قانا
عن وجهها الباكي بلا دمعٍ
وعن إنشادِها الموعودِ في غيبِ السماءْ
لأضيفها
دوماً إلى رزنامةِ الدم
والهزائم
والسقوط اليَعربيْ
كالبقعةِ السوداءِ
تموزيةً
مجروحةَ العينينِ.. تنزفُ كبرياءْ..
*
كاليفورنيا – 3 آب 2006