أفقت وقد نام كل البشر - أمين تقي الدين

أفقت وقد نام كل البشر
وساد على الكائنات السكون

وأقبل وسط السماء القمر
يحف به النجم ساجي العيون

وليس سوى لمعان النجوم
على الماء يحكي بريق اللآل

وليس سوى خطرات النسيم
تميل مع الغصن من حيث مال

مظاهر وحي لأهل النظيم
ومجلى بعيد المدى للخيال

فيا ليل طل لا عراك القصر
لعلك يا ليل تجلو الشجون

ويا قلب طر بجناح الفكر
لك النجم فوق الأثير سفين

وطار فؤادي يبغي السما
وعين الكواكب لا ترقد

مجدا يحث السرى كلما
عدا فرقدا راقه فرقد

إلى أن رأى في الفضا سلما
عليها ملائكة تصعد

فأجنحة رصعت بالدرر
وأجنحة من نضار ثمين

إذا طويت فدجي منتشر
أو انتشرت فصياح مبين

تباركت يا رب هذي الذرى
وأنت الإله القوي العظيم

قضى الناس في جهلهم أدهرا
وأنت بحال العباد عليم

فلم يفقهوا كنه هذا الورى
وحار به كل عقل حكيم

تمر الليالي وفيها العبر
وتمضي السنون وتفني القرون

وكم في الطبيعة سر ظهر
وسر الطبيعة ليس يبين

ألا أيها الكون سمعا لما
إلهك يوحيه للشاعر

فما في الوجود غموض كما
يقال فخذه على الظاهر

ولكنما الحي تحت السما
هو السر للعاقل الفاكر

نفخت بآدم روح الكبر
وأودعت حواء لطفا ولين

فإن ضل بعض البنين الأثر
فدعهم في جهلهم يعمهون

برأت الطبيعة في الأول
لأجمع أسرارها في البشر

فصغت الشهامة للرجل
من الكون مجموع كل الكبر

وقلت بنفس الفتى فانزلي
فنفس الفتى لك خير مقر

فما ضره قصر في النظر
فلا تسع الكون منه العيون

وطي الجوانح نفس تقر
يضيق بها الكون والعالمون

وكونت حلما من الراسيات
وأنزلته في جوار الشهامة

هي الأم وهو أب المكرمات
فمنه الوفاء ومنها الكرامه

كلا الصفتين أجل الصفات
فهذا الإباء وتلك الفخامة

فيا حبذا منه خلق أغر
ويا حبذا منه طبع رزين

خلال تجر الخلال الزهر
وكل قرين خليل القرين

تمشى المروءة في صدره
تمشي الدما في عروق الجسد

ويوحي الإباء إلى فكره
جفاء الذميم وحب الرشد

فما يقبل الضيم من دهره
ويأبى له العز عيش النكد

وتسمو عن اللؤم فيه الفكر
وتغشي عن السيئات الجفون

نزيه اللسان صدوق الخبر
عفيف الإزار سليم الظنون

يرى حب أوطانه واجبا
فقدس في النفس حب الوطن

وعاف المخاتل والكاذبا
فصادق في سره والعلن

وما خان في وده صاحبا
ولم يخف طي الضلوع الضغن

وجرد من كل خبث وشر
ضميرا صفا كالزلال المعين

وجانب غطرسة المفتخر
ونزهه الفضل عما يشين

ألا أيها القلب قل للعباد
بأن الشهامة فخر الرجال

وإن الكرامة بنت الرشاد
وإن المروءة أم الكمال

وما الفضل إلا هدى للفؤاد
وما الحلم إلا أمير الخصال

إذا أشبه العمر طيفا يمر
وكان الفتى هدفا للمنون

فإن دليل الحياة الأثر
وما الناس إلا بما يفعلون

ويا أيها القلب إن الطبيعة
كذاك مجمعة في النساء

تأمل بهذي المجالي البديعه
وهذي النجوم بهذا الفضاء

فمنها خلقت الفتاة الوديعة
لتظهر في الأرض سر السماء

وصورتها آية في الصور
ضميرا عفيفا وقلبا حنون

فجاءت مناظرة للقمر
فمنه السكون ومنها الفتون

بهاء من القمر الطالع
على القلب ينزل وحي الغرام

وعين من الكوكب اللامع
وشعر كليل أسير الهيام

وفي الثغر عقد نضيد الدرر
وما القد إلا أمير الغصون

جمال الطبيعة فيها استقر
فكانت جلاء لسر مصون

تخذت وداعة قلب الحمامه
وقلت لها هي تاج جمالك

إذا كان فخر الرجال الشهامه
فإن الوداعة أبهى خصالك

فمنها العفاف وحب السلامة
وهذان في الكون سر كمالك

ومصدر كل الصفات الغرر
حنان وعزة نفس ولين يحدث عنها نسيم السحر ويسرق منها الشذا الياسمين

تملكها رقة في الشعور
ونعم فؤاد لذاك امتلك

دماثة خلق وصفو ضمير
يحدث عنه صفاء الفلك

فما هي إلا مثال البدور
وما هي في الناس إلا ملك

تحب السلام وتخشى الضرر
وتهوى الكريم وتجفو الضنين

سلاف نفوس ومجلى كدر
وتعزية للفؤاد الحزين

فيا قلبها ما أرقك قلبا
وأشرف أخلاقك الزاهرات

ويا حبها ما أبرك جبا
وأسمي عواطفك الطيبات

ويا نفسها ما ترنحت عجبا
ولا عاش فيك سوى المكرمات

وما غض منها لسوء بصر
وسالت لغير الحنان الشوون

طبائع قلب شريف أبر
يريك الفضائل كيف تكون

ألم تر ما فعل السيدات
صبيحة عيد سعيد منير

حملن الملابس فيها الهبات
وألبسنها كل طفل فقير

تباركت أيتها الفاضلات
فذلك شأن الشريف الضمير

ويا قلب فارجع بهذا الخبر
وقل ما تعلمت للعالمين

أنا هكذا قد خلقت البشر
ولكنما الناس لا يعقلون