برز البدر في السماء طلوعا - أمين تقي الدين

برز البدر في السماء طلوعا
يتهادى والليل جاء سريعا

قلت والعين لا تود الهجوعا
أوح يا بدر منك لي موضوعا

إن فيك المعاني الشعرية
...

وتطلعت والنجوم السوافر
في ظلام الدجى زواه زواهر

شفها السهد فهي مثلي سواهر
ساكنات بلا حراك حوائر

كسكون الأجسام بعد المنية
...

غرر في سمائها تتعالى
زادها البدر رونقا وكمالا

منظر يملأ العيون جلالا
صاغ ربي له أمامي مثالا

بوجوه الزوار هذي العشيه
...

كل هذي المظاهر الغراء
وانفرادي ووحشة الظلماء

وسكون الدجى ولطف الهواء
وولوعي بالشعر والشعراء

هاج في الخواطر الوهميه
...

خلت أني على فراش الممات
وحياتي تعد بالساعات

رب رحماك فاستمع كلماتي
ابن عشرين في ربيع الحياة

كيف تذوي زهور عمري النديه
...

أسفا كيف عوجلت أيامي
بانصرام وزهر عمري نام

يا زمان الصباء عهد السلام
لك مني تحيتي وسلامي

أين كانت حياتي الأبدية
...

يا زمان الشباب هل أنت ذاكر
عهدنا بالصفاء والعيش ناضر

قصف الموت غصن عمري الزاهر
وتولت تلك الليالي السوافر

كجمال الحرية الأبديه
...

يا شبابي غدا سأثوي القبرا
فستبكي أمي بكاء مرا

ويخط الوفا على الرمس سطرا
رحم الله كل من قال شعرا

في ربوع الإسلام والجاهليه
...

كلمات الوداع قبل مماتي
اكتبيها يا أم بالعبرات

واندبيني بهذه الكلمات
ولدي مات في ربيع الحياة

ثم ضاعت بموته الحريه
...

أنت غذيتني بخير المبادى
أنت مهدت لي طريق السداد

أنت يا أم قبل يوم الرشاد
كنت توصينني بحق بلادي

وأنا قد حفظت هذي الوصيه
...

عشت يا ام كل هذا الزمان
خائف الله طائع السلطان

إن تشقي صدري ترى في جناني
أن حب الأوطان من إيماني

وهو عنوان طاعتي الوالديه
...

فاسمعي قبل أن أموت مقالي
ودعائي لله رب الجلال

ليت أني يا أم قبل انتقالي
لترابي تحققت آمالي

فألاقي كأس الممات شهيه
...

قدر الله أن أموت كئيبا
من أماني لا أنال نصيبا

يا ألهي أدعوك كن لي مجيبا
واطف طي الضلوع مني لهيبا

قد براني فصرت في الوهمية
...

رحمة قبلما يرد ترابي
فيواري جسمي ويبلى شبابي

باسم عيسى وأحمد والصحاب
بحياة الإنجيل باسم الكتاب

يا إله السماء صن سوريه
...

يا بلادي أدعوك قبل هلاكي
فاستجيبي دعا أسيف باك

زوديني للقبر كل رضاك
فعظامي تهتز من ذكراك

وتنادي يا رب صن سوريه
...

يا بلادي نعشي غدا سيسير
فتغطيه من رباك الزهور

ومتى حث بي لقبري المسير
فلنعشي على الأكف صرير

كل معناه رب صن سوريه
...

يا بدلاي غدا بقبري أمسي
فازرعي السرو في جوانب رمسي

كالعصافير باكرا فوق رأسي
تتغنى في كل صبح نفسي

وتنادي يا رب صن سورية
...

يا بلادي أن جئت أهل النعيم
مع عيسى وأحمد والكليم

وتراءى لي وجه ربي الكريم
فسأحيا هناك بالتعظيم

وصفاتي تظل عثمانيه
...

يا بلادي وإن أتيت جهنم
ورأيت النيران حولي تضرم

وأمامي إبليس حالا تقدم
والشياطين خلفه تتبسم

فصفاتي تظل عثمانيه
...

يا بلادي تمنياتي الأخيره
أن تكون العلوم فيك منيره

أن تظلي للإتحاد أسيره
أن تعيشي بكل نفس كبيره

أن تميتي فيك النفوس الدنيه
...

أن يعم التمدن الفعلي
أن يجازى ويكرم السوري

أن يزول التعصب الديني
أن يعيش التعاون الأخوي

أن تسود الحرية الأدبية
...

أن يحب السوري فيك الإقامه
أن تريه في وجنه الدهر شامه

أن تحف المهاجرين السلامه
أن يعودوا يلقون فيك الكرامه

تحت ظل البيارق التركيه
...

أن يلوح الضيا وليس يغيب
أن يرام النجاح والتأديب

أن يسود السداد والترتيب
أن يعم التعليم والتهذيب

أن ترقى فتأتك الشرقيه
...

أن ترقى نساؤنا والرجال
أن يفوز الهدى ويمحي الضلال

أن تؤاخى الأقوال والأفعال
أن تجازى وتنجح الأعمال

أن تعان المقاصد الخيريه
...

أن يكون الغني عون الفقير
أن يراعي الكبير حق الصغير

أن يظل الشرقي حر الضمير
أن يرى الحق في جميع الأمور

طاهر الذيل مخلصا في النيه
...

أن يكافي المولى بني الأفضال
أن يقوي كل امرىء ذي كمال

أن يعين الضعيف في كل حال
أن أراه متمما آمالي

ان يجازي بالخير ذي الجمعية
...

يا بلادي قولي لأمي بعدي
إنني مت حافظا كل عهدي

إنما لم يتم ربي سعدي
فأرى موطني يعيش برغد

فتتم العناية العلوية
...

يا بلادي هذا الذي علمتني
في سريري أمي وما لقنتني

مع حليبي هواك قد أرضعتني
فبوسط التابوت إن أضجعتني

وأريها شعائري الوديه
...

يا بلادي روحي تكاد تطير
وعيوني عنها تولى النور

إن صحبي غدا بنعشي تسير
يا حنيني لهم وشوقي الكثير

يا نجوما في القبة الفلكيه
...

يا بلادي في وحشتي وظلامي
ليس إلا ذكراك أنس عظامي

ودعيني فالموت لاح أمامي
واسمعيني أقول قبل الختام

لهيامي في عالم الأبديه
...

يا بلادي لا زلت ذات سعود
وهناء محض وعيش رغيد

وليظل الدعا بكل نشيد
دام سلطاننا رفيع البنود

تترقى في عصره الكليه
...

فرشوها لآلئا ونضارا
ثم قالوا هذي الطريق فسارا

لا تلوموه غره الوصف حتى
فاته أن قضى سواه اغترارا

رب سعد يجيء للمرء عفوا
وشقاء لكن يجيء اضطرارا

طمع في النفوس أن يحسب المرء
طريق الغنى تكون اختصارا

وفساد في الرأي أن لا يرينا
الوهم إلا سعادة ويسارا

شهدوها في الغرب تبني قصورا
ما رأوها في الغرب تمحو ديارا

غرهم ظاهر البها فتعاموا
عن قبيح تحت البهاء توارى

وأتونا بها وقد عربوها
فقرأنا فيها الشقا والبوارا

إن في بعض ما اقتبسنا من الغرب
كمالا وإن في البعض عارا

فخلعنا التمدن الحق عنا
ولبسنا التمدن المستعارا

يا ابنة الغرب حجبي وجهك وجهك الكالح
عني وأوسعيني نفارا

واستري ذلك الجمال المداجي
وامنعي ذلك البها الغرارا

قبح الله كل حسن يحليك
ولو كان يخجل الأقمارا

يا ابنة الغرب ملقي الناس مهما
شئت واستلفتي لك الأنظارا

فصعود طورا وطورا هبوط
لعن الله هذه الأسعارا

كان ما كان بيننا وتقضي فاغربي اليوم لا وقيت العثارا
...

رب هل كان مثل حظي حظ
لبس الليل في الحياة شعارا

أفأسعي وراء رزقي دهرا
وألاقي في لحظتين الدمارا

زاد شيخوختي جناه شبابي
ضاع لكن في النفس أبقى شرارا

طائر كان في يميني فلما
ملقوه غني قليلا وطارا

أيها الناس حكمة من شقي
زاده البوس في الزمان اختبارا

إن هذي التي تسمون بورصة
فتغر الأبكار والأبصارا

هي أفعي رقطاء لا تقربوها
وهي نار تكوي حذار النارا