أدرك وقارك لا تبحة جميعا - أمين تقي الدين

أدرك وقارك لا تبحة جميعا
يكفيه في حمل الهموم خنوعا

عجبا يصونك في الأسى وتذله
أحسبته يوم الفراق دموعا

فجع البيان بشاعر ملء النهى
لطفا وملء الأصغرين بديعا

أخلق بحزنك أن يفيض مع البكا
وأعيذ حلمك أن يهي فيضيعا

ولعل أبلغ من دموع موله
قلب أمام الموت فاض خشوعا

فلك النجوم أبين أهلك نجمة
طلعت بروعتها عليك طلوعا

ضاقت بها الدنيا وأطلقها الردى
فأتت فضاء في علاك وسيعا

صعدت إلى ملأ البقاء وغادرت
ملأ الفناء بما استعز وضيعا

تذري أشعتها عليك كأنما
هي مجدها يزداد فيك شيوعا

يا روح فياض أطلي ساعة
أستوح منك لساعة موضوعا

فيم الإقامة في الجسوم كأنها
صور على لوح تمر سريعا

لما اتخذت من الضيا لك هيكلا
إني تركت الهيكل المخلوعا

صاحبته خمسين ملء إهابه
فنزلت رحبا وأرتعيت مريعا

وطواك في صدر نشرت به المنى
شتى المعاني غاية ونزوعا

تثبين من عينيه سحرا رائعا
في كل جارحة جرى ينبوعا

وملكت سيمة قلبه فتدافعت
فيه المروءة مبدأ وصنيعا

وجريت فوق لسانه فبيانه
آي تبث وشاردات توعى

وأويت مسمعه فكنت سياجه
من كل نافرة تسوء سميعا

وأردته طلق الجبين فلم يكن
ليرى ولو غضب الزمان مروعا

وعهدته يزهى ويمرح عابثا
أو يستكن تواضعا وقنوعا

يهب الجزيل ويستنيم إلى المنى
ويعف ذا عوز ويخشى الجوعا

وعلى غرارك قد طبعت شعوره
فخلقت منه الشاعر المطبوعا

يا روح أنت على النجوم نزيلة
بينا ثوى تحت الرغام ضجيعا

ما كنت إلا شمسه يا ليته
جارى بآيتك النبي يشوعا

فياض هذه نفثة لو لم ترد
شعرا لسالت أدمعا ونجيعا

إن الأديب إذا وقفت بقبره
أمطرته مما بكيت ربيعا

لهفي عليك أخا حمدت وفاءه
ورأيتني بوداده مفجوعا

إنا لفي زهون حرمن مقعد شمعة
وإذا انطفأن فقد خذلن جميعا

لم يبق لي إلا البيان فهاكه
وكفى البيان لدى الأديب شفيعا