خلّصني، خلّصني - أنسي الحاج

الحُرُّ لا يُراقبُ نفسه
فلا يرى أيّة أزهار يدوس
وأيّة أزهار يزرع.
...
الحُرُّ ليس له ذاكرة
فها قد نسي نظرة
رَبَطته بتلك المرأة
التي سوف كثيراً تكون.
...
لكنَّ الحُرَّ يُراقب نفسه
عندما يستعيد الذاكرة
فيرى تلك المرأة
وكمْ كان غبيّاً
كم سيصير عَبْداً
كمْ كان فرحاً
وكم سوف كثيراً يبكي.
...
لأنّ الحُرَّ الذي صحا
أيّتها الفاتحة عينيها
لأنّ الحُرَّ الذي صحا
شقَّ قلْبَه الخوفُ عليك
ونسَفته الغَيْرة وركّزته الغَيْرة
وطوّحته الهموم
طوّحته، ضعيفاً مطعوناً
بين المخالب كقمر
ينظر إلى الأحرار
يكره الأحرار
ويصرخ ويعرف أنّه لا يصرخ:
خلّصني خلّصني
ويبكي ويعرف أنه لا يبكي،
لأنّ البكاء يُحرّر العاشق
وهو عاشق
ولا شيء يُحرّره.
...
الحُرُّ لا يُراقب نفسه
الحُرُّ ليس عاشقاً
الحُرُّ لا يعرفك الحُرُّ لا يشتهيك
الحُرُّ إناء مكسور
الحُرُّ لم يأخذك
الحُرُّ لا يتعذّب لا يعرف لم يَدْخل.
آه لأكُن وحديَ العبد
ولْتُطفئني الغَيْرة والمخاوف تخنقْني
لم تعد الحُرّيّة جميلة
لم تعد الحُرّيّة كريمة.
بعدما ألبسني حُبّك وجهي
عرفت أنّ استقلالي السابق
هو الأسْر
وعرفت أنّ حُرّيّتي السابقة
هي المنفى
وعرفت أنّ كلّ شيء سابق
كان يحفر في المنفى نفقاً
مَشيْتُه طويلاً إليك
وكانت مسيرتي إليك
مسيرة أعظم الزنوج بياضاً.