أبو غازي - إيليا أبو ماضي

أبو غازي السلام عليك منّا
و عفوا أيّها الملك الهمام

فما ضاق الكلام بنا ، و لكن
وجدنا الحزن أرخصه الكلام

و خطبك لا يفيه دمع باك
فموتك من بني العرب يبكي الغمام

و نحن أحقّ أن نبكي و نرثى
فموتك من بني العرب انتقام

خبا نبراسنا ، و اللّيل داج ،
و كنت حسامنا ، فنبا الحسام !

كأنّك قد وترت الموت قدما
وهابك في كنانتك السّهام

فدبّ إليك مثل اللّصّ ليلا
و كان الموت ليس له ذمام

طوى الدنيا نعيّك في ثوان
فريع البيت و البلد الحرام

و " دجلة " كالطّين له أنين
و في " بردى " التياع و اضطرام

ورحنا بين مصعوق وساه
كمن صرعت عقولهم المدام

كأنّ الأرض قد قد مادت و فضّت
عن الموتى الصفائح و الرّجام

فمن للبيض و الجرد المذاكي ؟
و " فيصل " بات يحويه الرّغام

و من للحقّ ينشره لواء
به للنّاس هدي و اعتصام

توارى المجد في كفن و لحد
و غابت في التراب منّى عظام

مضى وحديثه في الناس باق
كعمر الشّمس ليس له انصرام

فيا جدثا حواه لست قبرا
و لكن أنت في الدنيا وسام

***

حياتك " يا أبا غازي " حياة
كفصل الصّيف : زهر و ابتسام

وقد تحصى الكواكب و الأقا
حي و لا تحصى أياديك الجسام

مددت إلى منى العرب الغوافي
يدا ، فتفتّقت عنها الكمام

و أمسى بندهم و له خفوق
و أمسى عقدهم و له نظام

و كم أسقمت جسمك كي يصحّوا
و حالفت السّهاد و هم نيام

و كم جازيت عن شرّ بخير
و كم جازاك بالغدر الأنام

خذلت فما عتبت على صديق
و لم تحنق وقد كثر الملام

و كم قد فزت في حرب و سلم
فلم يلعب بعطفيك العرام

خلائق من له عرق كريم
و خطّة من له قلب عصام

خذوا الخلق الرفيع من الصحا
ري ، فإنّ النفس يفسدها الزحام

و كم فقدت جلالتها قصور
و لم تفقد مروءتها الخيام

***

و قالوا اندك عرشك في دمشق
كأنّ العرش أخشاب تقام

و كيف تهدّ سدّتك العوالي
و لم يسلبكها الموت الزؤام ؟

فما كان انتصارهم علاء
و لا كان انكسارك فيه ذام

إذا لم تنصر الأرواح ملكا
فأحسن ما حوى جثث وهام

و ما زالت لك الأرواح فيها
و ما زالت عشيرتك الشآم

تصفّق لاسمك الأمواه فيها
و يهتف في خمائلها الحمام

و بذكر أهلها تلك السجايا
فيشرق من تذكّرها الظلام

و ليس أحبّ من حرّ مؤاس
إلى شعب يساء و يستضام

***

فقل للساخطين على اللّيالي
و من سكنوا على يأس و ناموا

سينحسر الضباب عن الروابي
و يبدو الورد فيها فيها و الخزام

و يصفو جوّنا بعد انكدار
و يسقى أرضنا المطر الرّهام

و نرجع أمّة ترجى و تخشى
و إن كره الزعانف و الطّغا