أنا وهي - إيليا أبو ماضي

جلست إليها والترام بنا يعدو
إلى حيث لا واش هناك ولا ضدّ

قد انتظت هذي القطارات في الثّرى
كأن الثّرى وتلك لها عقد

بلى، هي عقد بل عقود ، ألا ترى
على الأرض أسلاكا تدور فتمتدّ؟

يسير فيطوي الأرض طيا كلأنّما
دواليبة أيدي، كأنّ الثذرى يرد

فكالطود إلاّ أنّ ذيّاك ثابت
وكالريح إلا أن هاتيك لا تبدو

توهّمته من سرعة السّير راكدا
وأنّ الدّنى فيمن على ظهرها تعدو

تحوم عليه المركبات كأنه
مليك وتلك المركبات له جند

تقصر عنه الرّيح إما تسابقا
فكيف تجاربه المطهّمة الجرد؟

على أنه في كفّ عبد زمامه
فيا من رأى ملكا يصرفه عبد

كأني به ، يا صاح، دار ضيافة
يغادر وفد ويقصده وفد

خلوت بمن أهوى به رغم عاذلي
ولم يك غير القرب لي ولها قصد

فسار بنا في الأرض وخدا كأنما
درى أنّ ما نبغيه منه هو الوخد

فما راعني واللّه إلا وقوفه
فقد كنت أخشى أن يفاجئنا وغد

ولما انتهى من سيره وإذا بنا
على شاطىء البحر الذي ما له حد

هناك وقفنا والشّفاة صوامت
كأن بنا عيّا وليس بنا وجد

سكتنا ولكنّ العيون نواطق
أرق حديث ما العيون به تشدو

سكرنا ولا خمر ولكنّه الهوى
إذا اشتدّ في قلب امرىء ضعف الرشد

فقالت وفي أجفانها الدمع جائل
وقد عاد مصفرّا على خدّها الورد

ألا حبّذا ، يا صاحبي، الموت ههنا
إذا لم يكن من تذوّق الرّدى بدّ

فيالك من فكر مخيف وهائل
ويا لك من مرآى يرقّ له الصّلد

فقلت لها إني محب لكلّ ما
تحبين ، إن السمّ منك هو الشّهد

فقالت أمن أجلي تحنّ إلى الردى؟
دع الهزل إنّ المرء حليته الجد

فقلت لها لو كنت في الخلد راتعا
ولست معي واللّه ما سرّني الخلد

فإن لم يكن مهد إليك يضمّني
فيا حبّذا ، يا هند ، لو ضمّنا لحد

فقالت لعمر الحقّ إنك صادق
فدمت على ود ودام لك الودّ

فلو لم أكن من قبل أعشق حسنها
لهمت بها واللّه حسبي من بعد