ابنة الفجر - إيليا أبو ماضي

أنا أن أغمض الحمام جفوني
ودودي صوت مصرعي في المدينة

و تمشي في الأرض دارا فدارا
فسمعت دويّه ورنينه

لا تصيحي واحسرتاه لئلّا
يدرك السّامعون ما تضمرينه

و إذا زرتني و أبصرت وجهي
قد محا الموت شكّه و يقينه

و رأيت الصّحاب جاثين حولي
يندبون الفتى الذي تعرفينه

و تعال العويل حولك ممّن
مارسوه و أصبحوا يحسنونه

لا تشقي على ثوبك حزنا
لا و لا تذرفي الدموع السخينه

غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي
بسكون ، إنّي أحبّ السّكينه

إنّ للصمت في المآتم معنى
تتعزّى به النّفوس الحزينة

و لقول العذّال عنك (بخيل )
هو خير من قولهم ( مسكينة )

و إذا خفت أن يثور بك الوجد
فتبدو أسرارنا المكنونه

فارجعي و اسكبي دموعك سرّا
و امسحي باليدين ما تسكبينه

***

يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت
و لأنت بمثل هذا مهينه

زايل النور مقلتيه و غابت
تحت أجفانه المعني المبينه

فأصيخي ! هل تسمعين خفوقا
كنت قبلا في صدره تسمعينه ؟

وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى
ليس يدري عدوّه من و خدينه

ساكتا لا يقول شيئا و لا يس
مع شيئا و ليس يبصر دونه

لا يبالي أأدعوه الثريا
أم رموه في حمأة مسنونه

و إذا الحارسان ناما عياء
و رأيت أصحابه يتركونه

فتعالى و قبّلي شفتيه
و يديه و شعره و جبينه

قبل أن يسدل الحجاب عليه
و يوارى عنك فلا تبصرينه

واحذري أن نراك عين رقيب
و لئن كان رجل ما تحذرينه

فاذا ما أمنت لا تتركيه
قبلما يفتح الصّباح جفونه

***

و إذا السّاعة الرّهيبة حانت
و أريت حرّاسه يحملونه

و سمعت النّاقوس يقرع حزنا
فيردّ الوادي عليه أنينه

زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا
بالذي زوّد الغريق السينة

نظرة تعلم السماوات منها
أنّه مات عن فتاة أمينه

***

طوت الأرض من طوى الأرض حيّا
و علاه من كان بالأمس دونه

و اختفى في التراب وجه صبيح
و فؤاد حرّ و نفس مصونه

و إذا ما وقفت عند السّواقي
و ذكرت وقوفه و سكونه

حيث أقسمت أن تدومي على العه
د و آلى بأنّه لن يخونه

حيث علّمته القريض فأمسى
يتغنّى كي تسمعي تلحينه

فاذكريه مع البروق السّواري
واندبيه مع الغيوث الهتونه

و إذا ما مشيت في الروض يوما
ووطأت سهوله و حزونه

و ذكرت مواقف الوجد فيه
عندما كنت بالهوى تغرينه

حيث علّمته الفتون فأضحى
يحسب الأرض كلّها مفتونه

حيث وسّدته يمينك حتّى
كاد ينسى شماله و يمينه

حيث كنت و كان يسقيك طورا
من هواه و تارة تسقينه

حتّى حاك الربيع للروض ثوبا
كان أحلى لديه لو ترتدينه

فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي
كنت أهوى زهوره و غصونه

ثمّ قولي للطير : مات حبيبي !
فلماذا يا طير لا تبكينه !

***

و إذا ما جلست وحدك في اللّي
ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه

و رأيت الغيوم تركض نحو الغر
ب ركضا كأنّها مجنونه

و لحظت من الكواكب صدا
و نفارا و في النسيم خشونه

فغضبت على اللّيالي البواقي
و حننت إلى اللّيالي الثّمينه

فاهجري المخدع الجميل وزوري
ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه

وانثري الورد حوله و عليه
واغرسي عند قلبه ياسمينه