أنا و أخت المهاة و القمر - إيليا أبو ماضي

آه من الحبّ كلّه عبر
عندي منه الدموع و السهر

وويح صرعى الغرام إنّهم
موتى ، و ما كفّنوا و لا قبروا

يمشون في الأرض ليس يأخذهم
زهو و لا في خدودهم صعر

لو ولج الناس في سرائرهم
هانت ، و ربّي ، عليهم سقر

ما خفروا دمّة ، و لا نكثوا
عهدا ، و لا مالا و لا غدروا

قد حملوا الهون غير ما سأم
لولا الهوى للهوان ما صبروا

لم يبق منّي الضّنى سوى شبح
يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر

أمسي و سادي مشابها كبدي
كلاهما النار فيه تستعر

أكل صبّ ، يا ليل ، مضجعة
مثلي فيه القتاد و الإبر

لعلّ طيفا من هند يطرقني
فعند هند عن شقوتي خبر

ما بال هند عليّ غاضبة
ما شاب فودي و ليس بي كبر

ما زلت غضّ الشباب لا وهن
يا هند في عزمتي و لا خور

لا درّ درّ الوشاة قد حلفوا
أن يفسدوا بيننا و قد قدروا

واها لأيّامنا ... أراجعة ؟
فانّهن الحجول و الغرر

أيّام لا الدهر قابض يده
عنّي ، و لا هند قلبها حجر

***

لم أنس ليلا سهرته معها
تحنو علينا الأفنان و الشجر

غفرت ذنب النّوى بزورتها
ذنب النوى باللقاء يغتفر

بتنا عن الراصدين يكتمنا
الأسودان : الظلام و الشعر

ثلاثة للسرور ما رقدوا
أنا و أخت المهاة و القمر

فما لهذي النجوم ساهية
ترنو إلينا كأنّها نذر ؟ ...

إن كان صبح الجبين روّعها
فإنّ ليل الشعور معتكر

أو انتظام العقود أغضبها
فإنّ درّ الكلام منتثر

و ما لتلك الغصون مطرقة
كأنّها للسلام تختصر

تبكي كأنّ الزمان أرهقها
عسرا ، و لكن دموعها الثمر

طورا على الأرض تنثني مرحا
و تارة في الفضاء تشتجر

فأجلفت هند عند رؤيتها
و قد تروع الجآذر الصور

هيفاء لو لم تلن معاطفها
عند التثنّي خشيت تنكسر

من اللّواتي – و لا شبيه لها –
يزينهنّ ادلال و الخفر

في كل عضو و كل جارحة
معنى جديد للحسن مبتكر

تبيت زهر النجوم طامعة
لو أنّها فوق نحرها درر

رخيمة الصوت إن شدت لفتت
لها الدّراري و أنصت السحر

أبثّها الوجد و هي لاهية
أذهلها الحبّ فهي تفتكر

يا هند كم ذا الأنام تعذلنا
و ما أثمنا و لا بنا وزر

فابتدرت هند و هي ضاحكة :
ماذا علينا و إن هم كثروا

فدتك نفسي لو أنّهم عقلوا
و استشعروا الحبّ مثلما عذروا

ما جحد الحبّ غير جاهله
أيجحد الشمس من له بصر ؟

ذرهم و إن أجلبوا و إن صخبوا
و لا تلمهم فما هم بشر !

سرنا الهويناء ما بنا تعب
و قد سكتنا و ما بنا حصر

لكنّ فرط الهيام أسكرنا
و قبلنا العاشقون كم سكروا

فقل لمن يكثر الظنون بنا
ما كان إلاّ الحديث و النظر

حتّى رأيت النجوم آفلة
و كاد قلب الظلام ينفطر

ودّعتها و الفؤاد مضطرب
أكفكف الدمع و هو ينهمر

وودّعتني و من محاجرها
فوق العقيق الجمان ينحدر

قد أضحك الدهر ما بكيت له
كأنّما البين عنده وطر

كانت ليالي ما بها كدر
و الآن أمست و كلّها كدر

إن نفد الدمع من تذكّها
فجادها بعد أدمعي المطر

عسى اللّيالي تدري جنايتها
على قتيل الهوى فتعتذر