ألبنان هل في غيرك ارتبع المجدُ - ابراهيم الأسود

ألبنان هل في غيرك ارتبع المجدُ
مناط الثريا انت والعلم الفردُ

كأنك للشامات هضبة اهلها
وفي جيد سوريا الجمانة والعقد

كأن جبال الأرض روض كأنما
لها منك نوار الخميلة والورد

يقبل منك البحر اخمص ارجلٍ
لها موطئٌ منه الترائب والخد

تماديت شأواً في العلو كأنما
لك الري من نهر المجرة والورد

شمخت فنسر النجم دونك واقع
وتنحط عن عليائك الانسر الربد

وقفت خطيباً لم يكن قس خاطباً
بأبين رشداً منك ان أبهم الرشد

كأنك لفظ في معاجم دهرنا
تترجم عما اضمر الزمن الوغد

على شأنه السامي جبيلٌ تدلنا
باجمل آثار لا عيننا تبدو

تردد ذكرى امة لقديمها
مآثر لم تذمم ولا مسها جحد

وترديد بيت القدس ذكرك ذمة
نعم وعليها فيك قد اخذ العهد

وهيكلها ما انفك يروي مآثراً
لارزك حاوي الحمد في نشرها يحدو

وطودان هذا اقرع لصقت به
صروف الليالي فالتوى شعره الجعد

يرد اناسي العيون حواسراً
فما حملايا اذ بها تفخر الهند

اطل على الايام يروي طريفه
من المجد ما اسدته ايامك التلد

وشيخ اعارته الدهور وقارها
قد ابيض من فوديه ما هو مسود

يكافح عنك الحادثات كانه
هو السد في الاحداث او دونه السد

وهل دافع صنين عنك نوائباً
وافقك من سود الوقاقع مربد

بسفح فم الميزاب سال اتيها
فقشعه اذ سيل عارضه النكد

واغربةٌ فيك العقاب وانما
هو الطائر البازي في زهوه يشدو

وما المجد يا لبنان مثواك في العلا
ولكنما في جد ابنائك المجد

وان بلاداً تنبت الجد ارضها
لتلك بلاد لا عدا ارضها الجد

اذا المرء لم تضمن له نجح قصده
مواطنه يوماً فلا حمد القصد

وان لم يقارن حظه نجم سعده
باوطانه لا حل في ربعه السعد

وماؤك لا ماء العذيب الذي هوى
وذي ظماءٍ منه على كبد برد

وما شاقني الا عليل نسائم
بجوك من أنفاسها بأرج الند

وينساب في حصبائك الماء ناظماً
برقراقه ما ليس ينظمه العقد

وفيك هضاب ما سويسرةٌ بها
تقاس بحكم العجل ان صرح النقد

ومنتزهات فيك همت بوصفها
اذا هيمت غيري باوصافها هند

اما بك سوق الغرب للغرب غادة
ومنظرها الفتان ليس له ضد

وفي صوفر للزائرين موارد
تدفق ايناساً وما ماؤها ثمد

كأن بحمدوناً رداح عشيرة
وفي كل قلب من محبتها وجد

وكم هام في عاليه قوم فعيشها
رغيد وفيها الماء منفجر برد

وهل اهدن عدن التي وعدت بها
رجال ولم يكذب وقد انجز الوعد

وزحلة يجري الماء فيها كأنه
وقد طاب للظمآن مازجه الشهد

كذاك برمانا باحراجها غدت
على دفع ما يخشى من الداء تشتد

هي الوطن المحبوب والبلدة التي
رأيت بعيني النور في جوها يبدو

وضهر الشوير الطائر الصيت ارزه
تسامى فاضحى دون مبلغه السد

وفيك ببيت الدين قصر ممنع
بناه امير زان محتده المجد

بشير الذي كانت اياديه جمة
ولم يكُ بين الحاكمين له عدُّ

وشاد بشير الجنبلاطي قصره
وفيه لراجي الرفد كم بذل الرفد

تولى علي امره بعد عمه
نسيب الذي لم يكب يوماً له زند

وفي رأس انطلياس قد قام مصنع
الامير سليم من به افتخر المهد

واوداء حمانا التي في جمالها
لمرتين قبلاً هام ما مثلها سد

نسيم سرى منها بليلا وقد بدا
بكل مكان من حدائقها ند

وغينا التي فيها ادونيس قد بنت
لعاشقها برجاً به قد حلا الورد

وريفون بكفيا وحصرون بتمري
بشري وميروبا ولقلوق والجرد

ومكين بسكنتا وجزين والصفا
وعيناب ثم الدير ثم كفر حلد

وروم التي الحجار في ظلها نشا
واعبيه رأس المتن ثم السرافيد

وقرنايل فالوغة وبجنس
ودومة لو لم يعي قاصدها البعد

منازل اضحت للبدور منازلاً
ومقنرن في كل برج لها سعد

مصائف اضحت للمصافاة جنة
على انها للزائرين هي الخلد

يحاذر ان يلقي بها الداء رحله
وليس بها يوماً لوافده وفد

وهل تلك اديار التقى ام كواكب
تسامت إلى افيائها ينتهي الوخد

اقامت مصابيح الهداية حيثما
على سالكيه عمي الغوروالنجد

تريك كامثال القسي شواحباً
طواها الطوى واستام راحتها الزهد

تقاسم شظف العيش كهل ويافع
بها وتحرى العفة الشيب والمرد

وفاقهم الاحبار فضلاً وحكمة
وجودة آثار يطيب لها سرد

فان جاء للعذال انكار فضلهم
فقد انكرت شمس الضحى الاعين الرمد

وكم شيخ دين قدس الله سره
وكم شيخ عقل فاضلٌ زاهدٌ حمد

وكم معهد للعلم زين بعامل
سريرته صدق وسيرته قصد

وما نهده الا ذراع تسنمت
ذراه بنان الكسف لا الاشقر النهد

ويطربه منه صرير بغامه
اذا اطرب القوم المسومة الجرد

يرى هائماً في وصف كل فضيلة
اذا خلبت قلباً لعاشقها دعد

وكم عالم ان خاض بحر معارف
بدا البحر لا جذر له وله مدُّ

وكم شاعر يسمو زهيراً بنظمه
على حين يبدو في شبيبته العبد

ولبنان في لبنان كانت حديقة
جناها شهيٌّ نفح ازهارها ندُّ

قد اغتربت ابناؤك الغر كي يرى
بهم لك خفاقاً بكل على بند

اذا العلم لم ينجدك إما دعوته
لمكرمة لم يسق معهده عهد

الا كل سعي لا لذكر جهالةٌ
وكل جهاد لا لمحمدة جهد

رعوا لافانين الصناعة عهدها
ولولاهم لم يُرعَ يوماً لها عهد

ففي الزوق نسج لا يضاهي جماله
وفي الدير نسج منه ليس به رد

ولم يحك تحنان الاغاريد حنة
به لدواليبٍ هي الورق اذ تشدو

وكم سمجت فيك الزراعة ذيلها
فاثمر خفض العيش في ارضك الكد

وكم ثمر جان بارضك خيمت
له شجرات ريها في الصفا العد

وكم فيك من زيتونة نور زيتها
يضيء وان لم يور يوماً لها زند

وكم كرمة ان لاح بارق راحها
تريك شموس البشر من كأسها تبدو

وفيك العلاء المحض والشرف الذي
تفرع عن اوراقه الحسب العد

وصيد غطاريف اذا استنجد الورى
بهم فهم في كل نازلة نجد

مغاوير ان شدوا غطاريف ان دعوا
كرام اذا اسدوا مراجيح ان عدوا

وكم مزقت احشاء قومك فرقة
وفرقهم ايدي سبا الجهل والحقد

تلاعب فيهم عامل الدهر حقبة
كانهم في كف لاعبه نرد

وكم رفعت فيك المساواة راية
تفيأ دهراً ظلها الحر والعبد

وقد غرسوا فيك الاخاء فغرسه
وئام ومن اشجاره اثمر الود

ومجلس حزب العاملين بحكمة
يدير شؤون الحزب طراً ويعتد

وكم زان منك الجيد فضلاً ونائلاً
مليك له في عصره الحل والعقد

حميد حليف المجد والفضل من له
بارضك رفد ليس يشبهه رفد

وكم ولي الاحكام من متصرف
حكيم له من حزمه والنهى جند

فداود ذو الايدي الذي اطردت به
امور وللاحداث في بأسه طرد

بدا كرم في عهده وهو مصلت
حساماً صقيلاً لم يثلم له حد

وبعد قتال دام بضعة اشهر
ومن رأي ذا برق ومن بأس ذا رعد

تغلب داود عليه بجيشه
لذلك قد كان الجزاء له البعد

ونصري فرنقو كان بالعدل حاكماً
كأن ملاكاً ضم من شخصه البرد

روى رستم بالبأس صولة رستم
ومن هيبة صم الصفا منه ينقد

هو السيف بل امضى من السيف عزمه
وليس له الا النهى والعلا غمد

وقد كان واصا حازم الرأي باسلا
فقد كان يخشى بأسه الاسد الورد

وكم شام من نعوم بارق نعمة
لقد كفلت الا يغيبه اللحد

وسقيا لقبر ضم جسم مظفر
ففيه ثوى المعروف والكرم الجعد

وكان له في عهد يوسف حاكم
به المجد موصول به الامن ممتد

وقد كان اوهانيس غراً ولم يكن
لازر العلى في عهد دولته شد

ففي عهده للسلم غاضت مواردٌ
تطيب وللحرب الضروس بدا وقد

فكم محنة اقصت عن الام نجلها
وكم مقلة اذ ذاك قرحها السهد

وكم ذاب قلب من جواه وحزنه
وكم ضربة من هولها شابت الولد

فجاء رضى باشا وقد كان ظله
ظليلاً على كل الاماكن يمتد

وسيرته بين الورى لم يكن لها
اذا سئلوا عنها سوى مدحها رد

وكانت فينا مصدراً لمصائب
توالت على الدنيا وليس لها عد

حروب طوال لم يكن قط مثلها
حروب بها الاموال تفقد والمجد

مضت سنوات اربع لشبوبها
وكل نهار من دجى الليل مسود

وكم من ملوك انزلوا عن عروشهم
كأنهم في الكون ما وجدوا بعد

وفيها جمال ساد في القطر كله
وكان غشوماً لا يطاق له صد

اقام على الاعواد رهطاً افاضلا
وكانت خيول الظلم في قطرنا تعدو

واجلى عن الاوطان قوماً لنبلهم
كأن عليه كل ذي شرف يعدو

وكم بز اموالاً وارمل نسوة
كان دماء الناس في فمه قند

وجاء منيف حينذاك وعهده
بدا فيه في لبناننا البؤس والمد

فعم الجراد الارض والجوع قد فشا
فكان به من ذخر ابائنا جرد

وقد كانت الاديار في كل بقعة
ملاجئ والارزاء ليس لها حد

وكان غريغوري لدى القحط باسطاً
يد البذل وهو الغوث للناس والرفد

وانشأ للعافين عواد مطعماً
لهم كان موفوراً به الرزق والنقد

وبالنجمة البيضاء كم من بليةٍ
عدتك وشابت فيك من هولها المرد

وليس منيف بالاذى متفرداً
فان رجال الشر ساعده شدوا

احاطوا به مثل السوار بمعصم
وليس لما تبغي ظباؤهم رد

ويتلوه اسمعيل حقي وقد مشى
على مبداءٍ لا ميل فيه ولا ادُّ

وممتاز بالاموال فر فانه
كما شهدت اعماله الرجل الجحد

وارواد كانت مورد الرزق للألى
يلين على بلواهم الحجر الصلد

وبولس عقل كان المرزق جالباً
وقد خبأته في عرائنها الاسد

ومذ جاء النبي بجيش عرمرم
ورزق جزيل كاد يكتمل القصد

ولا قاهم لبنان والبشر طافح
وكان بهم للترك من ارضنا كرد

وقد قام بين الترك اذ ذاك قائدٌ
يزيد على صرف الزمان ويشتد

هو المصطفى الغازي اتاتورك من غدت
تصون لوائيه المثقفة الملد

فكان بما يبغيه للترك فائزاً
وكان جزا اعلام اعدائه الخضد

وباسم فرنسا جاء بيكو مبشراً
بلاداً لها في قلبها استحكم الود

وبيكو بنو لبنان يدرون انه
هو الساعد الاقوى للبناء والزند

وكان له من دام اقوى مساعد
وخير صديق صادق قوله سدُّ

ومن بعد بيكو جاء غورو مجردا
حساماً له من صادق العزم افرند

وسار الى باريس وفد برأسه
الحويك بالرأي المسدد يعتد

فامضى كليمنصو له الصك قائلا
ثقوا ليس من ادراك غايتكم بد

وقد اعلنوا في شهر ايلول انه
استقل ورسم الارز للدولة البند

وولوا عليه حاكماً ذا دراية
ترابو الذي في الناس ليس له ند

تولى وفي لبنان ليس له ضد
وولى وفي لبنان ليس له خمد

وسن له روبرت ده كه شرائعاً
اصاب بها لبنان العسف والبد

وفي الشام قد قامت لفيصل دولةٌ
فكانت كمثل الرمح في الظل يمتد

اراد لها غورو بقاءً بالفةٍ
فعافت ولاءً وارتعى صدرها الحقد

فجرد غورو سيفه لقتالها
فبددها غورو وادركها الاد

وبتنا نحيي فيه عهداً مجدداً
وقلنا بغورو اليوم ثم لنا الوكد

ولكن هي الايام لا عهد عندها
فكم ضاع في اصلاح فاسدها وكد

وكم كونفرس قد اقاموا ودون ما
يتوق اليه الكون قد وقف الصد

بحجة ان الحرب لم تلق وزرها
ترى أفهذي الحرب ليس لها حد

وهل لملوك الارض ان يرحموا الورى
فاوشك ركن الصبر في الكون ينهد

فان لم يكن للناس حول وقوة
لدرء الردى عنهم فالسنة لد

ولو لم يجئ لبنان اذ ذاك مصلتاًٍ
حساماً صقيلاً ذو البسالة ويغند

ولو لم يقم في الحال للخطب مسرعا
لما كان يصفو فيه حال ويستد

وبعد ترابو جاء ابوار نائباً
وابوار شهم حازم عاقل هد

ولكنه ما طال فيه زمانه
وفيه لكيلا بعده ابتسم الجد

فخف بنو لبنان من كل جانب
اليه وكان الوفد يتبعه الوفد

فقابلهم باللطف والبشر واعداً
بتحقيق ما راموا وقد اثمر الوعد

وعهد سرايٍ بعد ما صار صافياً
وكاد به يحلو لذي ظماءٍ ورد

لقد صار في حوران عهدٌ مكدرُ
وفي الشام عهد لم يكن مثله عهد

فكم قتلوا فيها بريئاً ودمروا
بناؤكم في الموبقات يداً مدوا

وكم نكبة في حاصبيا وكوكبا
وراشيةٍ عن عدها قصر العد

ومرج عيون كم بها من مهدّم
وكم واحد منها أُريق له رفد

لقد عمت الفوضى وذابت نفوسنا
وباب الرجا في اوجه الناس منسدُّ

ولما اتى جوفنيل يمشي بتؤدة
وفي يده صاب وفي اختها شهد

تبسم لبنان وضاءت بجلقٍ
منازلها مذ لاح كوكبه السعد

وقام يرد الخطب عنا يساعد
قوي على دفع العظائم يشتد

وان وعرت طرق العلا قبل عهده
ففي عهده فوق المجرة تمتد

وعاد دريفي مثلما كان سابقاً
برأي سديد ما على امره رد

ونوابنا ان حقق القول فعلهم
بدولة لبنان لهم وجب الحمد