السجين - خليل حاوي

أتُرى هلْ جُنَّ حسِّي فانطوى الرعبُ
تُرى عادَ الصدى, عادَ الدُّوارْ?
مَن تُرى زحزح ليلَ السجنِ عن صدري
وكابوسَ الجدار?
اَلكوى العميا يغطّيها
سوادٌ رَطِبٌ, طينٌ عتيقْ
اَلكوى ما للكوى تنشقُّ
عن صبحٍ عميقْ
وصدى يهزج من صوب الطريقْ:
"هِيَ, والشَّمسُ, وضحكات الصغارْ,"
"وبقايا الخِصبِ في الحَقْل البوارْ,"
"كلُّها تذكر ظلِّي, تَعَبي"
"كَفِّي المغَنِّي للبذار"
"كلُّها تُغري وتُغري بالفرار".
طالما أغرى الصدى قلبي وجفني
طالما راوَغَني صوت المُغنِّي
طالما أدْمَتْ يدي جدْرانُ سِجني
طالما ماتَتْ على كيْد الجدارْ
ردَّ باب السِّجنِ في وجه النهارْ
كان قبل اليوم يُغري العفوُ
أو يُغري الفرارْ
قبلَ أن تصدأ في قلبي الثواني
لا صدى تُحصيهِ, لا حمَّى انتظارْ
قبل أن تمتصَّني عتمَةُ سجني
قبْلَ أنْ يأكُلَ جفنيَّ الغبارْ
قبلَ أنْ تنحلَّ أشلاءُ السَّجينْ
رِمَّةً, طينًا, عِظامًا
بعثَرتْها أرجلُ الفيرانِ
رثَّت من سنينْ
كيْفَ تلتمُّ وتحْيا وتلينْ,
كيف تخضرُّ خُيوطُ العنكبوتْ
تتَشهَّى عودَةً للمَوْتِ
في دنيا تموتْ?
ما الذي يَهْذي تُرى?
صوتُ المُغنِّي
لم يعد يخْدع كَفَّيَّ وجفني
لم يعد يخدعني العَفوُ اللَّعينْ
بعد أن رثَّت عظامي من سنينْ
هل أخَلِّيها, أُخلِّيها وأمضي
خاويَ الأعضاءِ وجهًا لا يبينْ
شبحًا تجلده الريحُ
وضوءُ الشمْس يُخزيهِ
وضحكاتُ الصغارْ
يتخَفَّى من جدارٍ لجِدارْ
ردَّ باب السِّجْن في وجه النهارْ
كان قبل اليومِ
يُغري العفو أو يُغري الفرار