لم يبقَ يا جبرانُ إِلاّ الخيال - رشيد أيوب

لم يبقَ يا جبرانُ إِلاّ الخيال
قد حالَ هذا البعد دون العيان

حتى إذا خُضتُ الليالي الطوال
أطلقتُ للأحلام فيها العنان

وطرتُ في مركبي
إِلى حمى الكوكبِ

ولم أزل حتى حططت الرّحال
عند أولي الألباب وسط الجنان

لما مشوا في مهرجان الجلال
ألم ترَ الدرويش في المهرجان

يمشي معَ الموكبِ
يتلو كتاب النبي

وينفخ النايَ بلحنِ الرّها
تذكار عهد من قديم الزمان

يا نجمةَ عنّا خفاها الضّباب
ولم تزل بينَ الدراري تدور

غرّاء توحي من وراء الحجاب
فتملأ الدنيا بهاءً ونور

من وَحيها المُنزلِ
تاللهِ لم تَأفلي

وَوَردةً فاحت طواها التراب
ولم نزَل نشتمّ منها العطور

وإن ذكرناها فتحنَا الكتاب
ثمّ اجتمعنَا بينَ تلك السّطور

تالله لم تَذبلي
كلاّ ولم تهملي

بلى جناكِ الموتُ فَوّاحَةً
وتوّجَ التّاريخَ حتى النّشور

من أين للعلياءِ يا ابن الفنون
مثلك إن أضنته أبدى ارتياح

ومَن إذا هدّت قواه الشجون
رنا إِلى الدنيَا بعينِ السماح

وسهمها صائبُ
وقلبُهُ ذائبُ

حتى إذا وفيتَ عنك الديوان
من كبدٍ قد أوهنَتها الجراح

أطفأ شخصُ الموتِ سُرجِّ العيون
منك كما يُطفىء عند البراح

سرَاجَهُ الرّاهبُ
إذا انقضى الواجبُ

ورحتَ ترعاكَ نجومُ الدّجى
حتى بلغتَ المجدَ عند الصّباح

رابطةٌ كانت تضمّ الرّفاق
وأنتَ مَبناها وبيتُ القصيد

ولم تزل من بعد هذا الفراق
وإن يكن جبران عنها بعيد

ولَيسَ من أوبَةِ
حتى ولا زورةِ

فنحنُ أصحابُ الحواشي الرّقاق
وَوَجدُنا في كلّ يومٍ جديد

إن أبطَأ الموتُ بحكم اللّحاق
فرُوحُ جبران ستبقى العميد

والطّيرُ في الجنّةِ
تقولُ إن غنّتِ

أهلاً بفنّانٍ قضى عمرهُ
ولم يمت في الفنّ إِلاّ شهِيد