رُبَيت في الكوخ ما بين الحقول - رشيد أيوب

رُبَيت في الكوخ ما بين الحقول
كزَهر السوسنِ

في محَيّاها ندى الطهر يجول
حول وَردٍ فوقَ خدّيها جنيّ

ولَها أمٌّ تُرَبّيها وأب
وفتىً يَعشقُهَا لكن فَقير

لا علوم لا قصورٌ لا ذهَب
غير صافي الحبّ في قلبٍ صغير

كلما أشرقت الشمس ذهب
نحو ذاك الحقل والكوخ الحقير

مُستهاماً عن هواها لا يحول
مثلما عن حبّه لا تنثَني

ما لذيذ العيش إِلاّ للجَهُول
من غدا في الدهر خالي الفطنِ

خرَجت ترقُبها عينُ القَدَر
في صباحٍ طابَ من فصل الرّبيع

وشذا الأزهار في الجوّ انتشر
حيثُ تشدو الطير في الحقل المريع

والسواقي تحتَ أغصان الشجر
تتغَنّى في ثنا المرأى البَديع

يا لهُ من منظرٍ يسبي العقول
فيهِ حظّ العينِ حظّ الأذنِ

تتباهى الأرض فيه إذ تقول
ليس في الدنيَا كوَجهي الحسَنِ

ألفتها الطير حتى إن مَشَت
نحوَها تستأنِس الطيرُ بهَا

أو رأتها الزهر تخطو انتعشت
وعن الشمس استعاضت بالبهَا

أوغلَت في الحقل حتى ارتعشَت
فغَدَت تعدو على أعقابها

بينما تمشي صعوداً ونزُول
مرّ صَيّادٌ جَميلٌ وغنيَ

ذُهلَت منه كما شاء الذهول
وحياء الطهر في الوَجه السنيّ

قال مهلاً غادتي إني طرُوب
للقا هذا المحيّا والجبين

كاد من حبي لك القلب يذوب
آه ما أحلى الهوَى لَو تَعلمين

جلّ من أنشاك ما فيك عيوب
غير أجفان بها السحر المُبين

فتعالي كي إِلى القصر نؤول
فهُناكَ العِزّ والعيشُ الهني

حيثما النعمة عَنّا لا تزُول
ذاك عَهدٌ نلتُهُ من زَمَني

أنتِ أولى أن تكوني في القصور
وحَرامٌ أن تَكوني ههنَا

أين من حسنك ربّات الخدور
سابحات الذيل تيهاً وغنى

فخذي مني فؤاداً للنشور
يحفظ الحبّ ولا يدري الخنَا

إنّني لم أدرِ ما معنى الغلول
يَعلَمُ اللهُ بهذا أنّني

فتعالي واهجري هذي الطلول
وانظري العزّ الذي في المدنِ

صَدّقت مسكينة عقد العهود
وتنَاسَت أبوَيهَا والفتى

وغَدَت تَقتادها أيدي الوعود
وهي لا تدري بماذا ومتى

إن أتى حكم القضا في ذا الوجود
هيَ دنيَا لا تقل كيف أتى

ذهَبَا والشمس مالَت للأفول
وانتهى الأمر كان لم يَكُنِ

وأب في الكوخ يبكي وثكول
وفتى قد باتَ رهنَ المِحَنِ

في قصور العزّ بين الموسرات
أو على سيّارة بين القصور

حيثما تبدو الليالي زاهرَات
حافلات بالأغاني والسرور

كان ذاك المدّعي حُبّ الفَتاة
يصرفُ المالَ على غِيدٍب وحور

لا يُبالي برَقيبٍ أو عَذول
أو بمَن يشكو صروف الزمنِ

كان عهد ومضى عند الحقول
وَوُعود أُدرجَت في كَفنِ

مَرّتِ الأيّامُ والابنَةُ في
قَصرِهَا تَقضي ليالِيها الطوال

خانها معشوقها ذاك الوَفي
فَذَوَت أزهارُ ذيّاكَ الجَمال

كيفَ يحيَا مَن بهِ داءٌ خَفي
مَن يبيتُ العمرَ مُنبتّ الحبال

فَتَوَلاّهَا سقامٌ ونحول
وتمشّت عِلّةٌ في البَدَنِ

واعترى وَجنَتَها الغَرّا ذبول
وخَبَت أنوار تلك الأعينِ