خُلِقتُ ولكن كي أموت بها حُبّا - رشيد أيوب

خُلِقتُ ولكن كي أموت بها حُبّا
لِذاكَ تَرَاني مُستَهاماً بِهَا صَبّا

وإني مَشُوقٌ كُلّما شابَ رأسهُ
بحُبِّ التي يشتاقُهَا كُلّما شَبّا

إِذا مَلأت دَهري الخُطوبُ فإنّهَا
لَتَلقى بِصَدري الرّحبِ مُستَودَعاً رَحبَا

يُصَاحِبُني صَبرٌ أُكَتِّمُهُ إِذا
لَدى نُوَبِ الأيّامِ نادَيتُهُ لَبّى

فما أنا ممّن إِن ترَامَت بِهِ النّوَى
تَرَوّعهُ الدّنيَا ولَو مُلئَت رُعبَا

ولكنّ لي في سَفحِ صِنّينَ مَوطِناً
إِذا مَا ذكَرتُ الأهلَ فِيهِ فَإنّني

لَدى ذِكرِهم أستمطِرُ الدمعَ منصَبّا
أُعلَلّلُ نفسي إن سئِمتُ بِعَودَةٍ

وَلكِنّها الأيّام تَبّاً لها تَبّا
فَلِلّهِ هاتِيكَ الرّبى وربوعها

فإنيَ قَد ضَيّعتُ في تربها القَلبَا
وَيا حَبّذا ذاكَ النّسِيمُ فإنّني

لَيُنعِشُني ذاكَ النّسِيمُ إِذا هَبّا
تَنادَوا بدستُورٍ وقالوا لَنَا انظُرُوا

فإنّا طَرَدنا الفَقرَ عَنكُمُ والجدبا
ولاحَ لَنَا بَرقٌ على البعدِ ضاحِكٌ

فَخِلنَا بأن قَد صَارَ يابِسُنَا رَطَبَا
وما كان إِلاّ خُلّباً أضحَكَ الفَضَا

وخَلّفَ قَوماً نادبينَ المُنَى نَدبَا
وَرَاحَ المُنادى فِيهٍِ يوماً كَأنّهُ

صِيَاحٌ بِقِيعانٍ إِلى أن قضى نحبَأ
عَلى مَهَلٍ يا دولَةَ التُّركِ واسمعي

فإني بقولِ الحقّ لم أرتكِب ذَنبَا
مشى العِلمً في شرق البلادِ وَغَربِهَا

ولكن بتركِيا لقد ضَيّعَ الدّربَا
فما تَنفَعُ الأحزَابُ وهيَ كَثيرَةٌ

إِذا كانت الأحزابُ لا تَنفَعُ الشّعبَا
يَقُولونَ إِنّ التُّركَ أُسدٌ أشَاوِسٌ

كماةُ التركِ كانوا لدى الوَغَى
ولم يدفعوا البلغارَ عنهُم ولا السّربَا

فما هُوَ إِلاّ الجهلُ مدّ بساطهُ
عليهم وأرخى من غَياهِبِهَِ حُجبَا

ألا لا أرانا اللهُ عَوداً لِدَولَةٍ
نكونُ لها أسرَى وأموالُنَا نُهبى

ألَسنَا الأولى عَافوا الحَيَاةَ بِظِلّهَا
وجابوا بلادَ الله واستَوطَنوا الغَربَا

فَكَم من شريدٍ طافَ في كلّ بقعةٍ
من الأرضِ حتى كاد يكتشف القطبَا

وَرُبّ جَهُولٍ هاجَ فيهِ تَعَصّبٌ
فَأعماهُ واغتَال البصيرَةَ واللُّبَا

يُنادي جهاد الدين جَهلاً وما درَى
مُنَاداتهُ للدين مذمومة العُقبى

لِيَعلَم أليفُ الطيشِ يوماً إذا اهتدى
بأنّ أُسودَ الغابِ لا تَرهَبُ الضّبَا

إذا كانَ إنسانٌ يَغَصّ بِريقِهِ
فَكيفَ بِموجِ البَحرِ يشرَبُه غَبّا

سَلامٌ عَلى باريس والرّوضَةِ الّتي
ينابِيعُها أضحَت لَنَا مَورِداً عَذبَا

سلامٌ لأهلِ العِلمِ فيها فإنّهُم
لَدى كُرَبِ الأيّامِ كم فَرّجوا كربا

سَلامٌ لِنابوليونَ وَهوَ بِقَبرِهِ
فتى الحربِ مَن قد رام يفتَتح الشُّهبا

سَلامٌ عَلى رَبّ الحُروبِ فَإنّهُ
إِلى حَدّ هذا اليَومِ يدعى لها رَبّا

سَلامٌ عَلى الأحرَار في كلّ موقفٍ
بِهِ أُنشِدُ الأشعَارَ مُمتَدِحاً عُربا

إذا ما ذوَى دوحُ القريضِ سَقَيتُهُ
لُعَابَ يَرَاعٍ تاهَ في مدحِهم عُجبَا