هيَ دنيا لا تقل ماذا دهاها - رشيد أيوب

هيَ دنيا لا تقل ماذا دهاها
مثلما قد نشر الدهر طواها

ذكّرتنَا عندما الناعي نَعاها
رُبّ دارٍ بالغضا طالَ بلاها

عكف الرّكبُ علَيها فَبَكاها

خمدت نيرانها في محشرٍ
بعدما قد أومضَت من أشهرٍ

فهي في عرف الوَرَى من أعصرٍ
درست إِلاّ بقايا أسطُرٍ

سمح الدهرُ بها ثمّ محاها

يا بلاداً كم فتاةٍ وفتىً
يبعَثُ الشوقَ إِليها زَفرَةً

يا رَعى الرّحمنُ فيها بُقعَةً
وقَفَت فيها الغواني وَقفَةً

ألصقت حرّى حشاها بثراها

مُهجَتي خلّفتَها ذائبَةً
في ربوعٍ أصبَحَت سائِبَةً

ناحَتِ الوُرقُ بها دائِبَةً
وبَكَت أطلالها نائِبَةً

عن جفوني أحسنَ الله جَزَاها

خُلفاءَ الشرقِ عَنّا بنتُمُ
وَوَهى الإسلامُ لمّا هنتُمُ

لم يَكُن مني الجفا بل منكمُ
كنتُ مشغوفاً بكم إِذ كنتُمُ

شَجَراً لا تبلغ الطيرُ ذراها

دولةً للعرب مدّت طَولَهَا
في زمَانٍ قد تحاشى صَولَها

ونمت والغربُ يخشى هَولَهَا
لا تَبِيتُ الليلَ إِلاّ حَولَهَا

حَرسٌ ترشح بالموتِ ظُبَاها

يومَ كان العدلُ من أركانها
ولها عطفٌ على أوطانها

تستَمِدّ العزمَ من فتيانها
وإِذا مُدّت إِلى أغصَانها

يدُ جانٍ قُطعت دون جناها

كم بساحات العُلى قد مرَحت
قبلما الأتراك فيها سَرَحَت

عصبَة ثوب الخمول اتّشَحَت
فترَاخى الأمرُ حتى أصبَحَت

هملاً يطمعُ فيهَا مَن يَراهَا

قد قضَيتُ العمرَ لا أطلُبُهَا
نائِياً في غربتي أندُبها

فميَاهُ الذلّ لا أشربها
تخصبُ الأرض فَلا أقرَبها

رائداً إِلاّ إِذا عَزّ حماها

إنّني أرجو إِلَيهَا عَودَةً
يومَ تُمسي في حماها دولةً

إن حَمَتها مَلأتها صَولَةً
لا أراني الله أرعى رَوضَةً

سهلة الأكناف من شاء رعاها