عجبتُ من الأحلافِ لمَّا تضافروا - رشيد أيوب

عجبتُ من الأحلافِ لمَّا تضافروا
على دولةِ الألمان وارية الزندِ

على أن لي خصماً أشدّ نكايةً
من القيصرِ الغازي أخاصمه وحدي

يقولون إن الدهر وهو أبو الورى
يشيّعُ أبناءً لَهُ وهوَ خالِدُ

فقُلتُ لهم إن كان ذلكَ شَأنهُ
فلا كان مولودٌ ولا كان والدُ

عجبتُ لإخواني الذين عهدتم
إذا جئتهُم قاموا لرَفعِ مَقامي

يقولون حدِّث يا رفيق فإنّمَا
حديثك للأسماعِ خير كلامٍ

فلما اعتَدى دهري عليّ وخانني
زماني غَدوا يستثقلون سلامي

ضحكت زماناً بين قومي مُسرِفاً
وهم يجمعونَ المالَ فلساً إِلى فلسِ

فلمّا انتَهَى أمري وجدت بأنّني
بإسرافيَ الماضي ضحكتُ على نفسي

خَلّ الأمورَ لِرَبّهَا
لا شيءَ في الدنيَا عُرِف

هَيهات تدرك ياءَها
مازلتَ تجهَلُ ما الألف

يقولونَ قد جاءَ الرّبيعُ فقُم بنَا
لنصرِفَ أوقات السّرُورِ على أمنِ

فقلتُ دعوني أصرِف العمرَ بالبُكا
فإنّ ربيعي في الحياة نأى عنّي

لَو كانَ رزقي ساكِناً
في الأفقِ مابينَ النجوم

لَرَكِبتُ أجنحَةَ الرّياح
وطِرتُ مِن فوقِ الغُيُوم

أو كانَ في قاعِ البحار
لخُضتُهَا حتى يَعُوم

لكِنّ رِزقي قَد قضى
ما حيلَتي في ما أرُوم

صرَفتُ ريالاً مرّةً وسألتُهُ
زيارَةَ جَيبي ثانياً كصديق

فلما انقضى دهرٌ عليه ولم يعُد
تيقّنتُ غيري ضمّهُ كشقيق

سلوا القبّةَ الزرقاء عدّ نجومها
فقد هَبَطت ثنتانِ منها على الأرضِ

ألم تنظرُوا عينيّ في حالكِ الدّجى
إِلى القبّةِ الزرقاءِ ترنو بلا غمضِ

رَأيتُ فَرَاشةً في السوق يوماً
مقرّحةَ الجفون من البكاءِ

فقلتُ لهَا علامَ النوحُ قالت
وقد نَظرت إِلى نحو السماء

جرَى حكمُ القضاء فأدرَكتني
وساقَتني المَقادرُ للفَنَاءِ

فلمّا إن قَضَت نادَيتُ ربّي
بصوتٍ طَنّ في أُذن الفضاءِ

وقلتُ لَهُ أيا مولايَ حتى
على هذي جرى حكم القضاءِ

يقول أُصَيحابي إِلى كم تذمّهَا
فقلتُ إِلى أن يخمدَ المَوتُ أنفاسي

دعوها تصبّ الهمّ فوقي سحائبا
فإني لما تنويهِ كالجبلِ الرّاسي

ما العزّ تيهك اضحاءً واغلاسا
ولا اتخاذك سُمّاراً وجُلاّسا

العزّ يا صاحبي إن كنتَ ذا سعَةٍ
تعطي الفقيرَ وترضي الله والناسا

ما كان أحوَجني يوماً إِلى قلمٍ
يخطّ للناسِ أني نلتُ مُلتمَسي

وصارَ دهري صديقي والزمان صفا
وأين هيهات مني عيشة التعسِ

فإن بَقِيتُ على حالٍ مُنَغّصَةٍ
عيشي وعينيَ ترعى النجمَ في الغلسِ

فلا حبستُ هي الدنيا ولا هجرت
قريحتي الشعر حتى ينتهي نفسي

ضلّ الرّفيقُ فقال لي
أين الطريق إِلى علِ

فأجَبتُهُ لَو كنتُ أد
ري يا رفيق لقلتُ لي

على مسرَح الدنيا وقفتُ ممثِّلاً
وأنفقتُ في أدوارها معظمَ العمرِ

فلم أحسنِ التمثيلَ في حالة الغنى
ولكنّني أبدعتُ في موقفِ الفقرِ

ولمّا رَأيتُ الحزنَ عمّ بني الوَرَى
وكلّ امرىءٍ منهم تدرّعً بالصّبرِ

تَيَقّنتُ أن الدهرَ جال موزّعاً
على الناس ممّا قد تدفّق من صدري

عشقتكِ يا دنيَا كثيراً وإن أكن
على ثقةٍ أن لا يطيب ليَ العيشُ

فما أنتِ إِلاّ كالزواني لدى الهوى
وما أنا إِلاّ جاهلٌ قادهُ الطيشُ

يا مَن يَقيسون بُعد النجم في فلكٍ
علماً ومثقال هذي الأرض قد فهموا

بالله هاتوا وقيسوا كربتي وزنوا
مُصيبتي في أناس ما لهم ذمَمُ