آن النّشُورُ وَجاءَت ساعَةُ الأُمَمِ - رشيد أيوب

آن النّشُورُ وَجاءَت ساعَةُ الأُمَمِ
واعتَلّتِ الأرضُ إِذ حَرُّ الوَطِيس حمي

طَمى بِهَا الخَطبُ حتى كادَ محوَرُها
يزيح عَن مَركَزِ القُطبَينِ من ألَمِ

مكمدةُ الوَجهِ تبكي مَن أقاموا بها
كالقلبِ في الجسمِ أو كالنورِ في الظلمِ

مصيبَة مَا دَهَتها منذ نشأتها
حتى وَلا نَكبَةُ الطّوفَانِ في القِدَمِ

كُنّا ظّنَنّا بأنّ السَيفَ دَولَتُهُ
دالَت وأنّ القَضَايا في يَدش القَلَمِ

فَخَانَنا الأمرُ لمّا جاءنَا نَبَأ
أنّ القَضَايا بِغَيرِ السّيفِ لم تُرَمِ

كانَت أوربّا قُبَيلَ اليومِ نحسَبُها
أمُّ التّمدّنِ نُورَ الناسِ كُلّهمِ

فيها المُلوكُ الألى مَدّوا أكُفّهمُ
نحوَ السّلامِ لِرَفعِ الضّيمِ والنّقمِ

حَتّى إِذا مَحّصَتهُم نارُ تَجرِبَةٍ
خانوا العُهودَ وداسوا حُرمَةَ القَسَمِ

قامَت قِيَامتهم من غيرِ ما سَبَبٍ
حتى كَأنّ بِهِم ضرباً من اللَّمَمِ

حُلّت مَوَاثيقهم جاشَت ضَغائِنُهم
عافوا الإخاءَ وفّكّوا عُقدَةَ الرّحِمِ

واستَنكُروا الله حتى باتَ دأبُهُمُ
حَشدَ الجُيوشِ ودَفعَ الناسِ للضرَمِ

أعطوا العَلامَةَ للمرَيخِ عن بَشَرٍ
من بحرِ حربٍ بِنَارِ الموتِ مضط

مِن كُلّ ماشٍ صَلِيلُ السيفِ يطربُهُ
أو فارِسٍ عِندَه التّصهالُ كالنّغَمِ

لاحَت بَيارِقُهُم في كلّ مُعتَرَكٍ
في البرِّ في البحرِ في الأوداءِ في القمَمِ

مُستَنشِقينض من البارُودِ رَائِحَةً
كَأنّها من أريجِ الرّند والخزَمِ

طارُوا لخوضِ المَنايا في مَرَاكِبِهم
وإن تخُنهُم لَطارُوا في قُلوبِهمِ

فَلَيلُهُم من شعاع البيض صُبحُهمُ
وصبحُهُم من دُخانِ الحَربِ كالقَتَمِ

كَم ناشرٍ عَلَماً في طَيّهِ كمنَت
لهُ المَنِيّةُ وهوَ ناشرُ العَلًَمِ

باللهِ يا قَبرَ نابوليون هَل فَلِقَت
عظامُه فانبرَت في مجدها الهَرِمِ

وقامَ فَوقَ صفوفِ الجَيشِ ترقُبُها
نَفسٌ لهُ لِسِوَى العلياءِ لم تَقمِ

حتى كَأنّ فتى الهَيجاءِ أودَعَها
صُدورَهُم فَتَمَشّت في نُفُوسِهِم

للهِ حَرَبٌ بها الأبطالُ عاكِفَةٌ
مِن كلّ مُقتَحِمٍ للمَوتِ مُبتسِمِ

حَربٌ أضاعَ ذوُو الألبَابِ فَهمهُمُ
فيها وكلّ بصيرٍ من لظاها عَمِي

حَربٌ تفتّحُ أبواب الجَحيمِ بِهَا
وَيَفخرُ الدّهرُ في أحداثِهِ الحطمِ

تَصُبّ ناراً عَلى الأبطَالِ آكِلَةً
مِنَ المدافِعِ والمِنطَادِ كَالديمِ

أثارَهَا سَيّدُ الألمَان عَن طَمَعٍ
وسوفَ لا يجتَني منها سِوَى النّدمِ

تلكَ الحقولُ التي كانَت تقيتهُمُ
قَد أصبَحَت تَغتَذي غربانها بهمِ

ظمآنَةٌ لا يُرَوّي الغَيثُ تُربتَهَا
وفوقها جُثَثُ الأشلاءِ كَالأكَمِ

يَبكي التمَدّنُ أزماناُ بِها خَفَقَت
رَاياتُهُ بِسَلامٍ في رُبُوعِهِم

تلك الرّبوع التي شادوا بِساحَتِهَا
معاهِدَ العِلمِ أمسَت وهيَ كالرّجَمِ

هُنَاكَ حُرّيّةٌ مقروحَةٌ لَطَمَت
وَجهاً يَعِيثُ بِه جيشٌ من السقمِ

يا حاكمينَ عِبَادَ اللهِ ويحَكُمُ
أين العَدالة والإيفَاء للذّمَمِ

مَاذا يحلّ بِكُم لمّا نُفُوسهمُ
تشكو إِلى باعث الأموَاتِ من رَمَمِ

كَم والدٍ قلبُه قد ذابَ من أسفٍ
عَلى بَنِيهِ وأمٍّ دَمعُهَا كَدَمِ

تَرنُو ِإلى قُبّةِ الأفلاك مجهِشَةً
وتَستَغِيثُ بباري الخلقِ مِن عَدَمِ

وغادةٍ كُلَّما جنَّ الظَّلامُ هَوَت
على فِراشٍ تقاسي محنةَ الحُلُمِ

طَوراً ترَى حبّها في الحرب منهَزماً
وَتارَةً تَلتَقِيهش غير مُنهَزِمِ

يبدو لها وجهه في زيِّ مُبتَهِجٍ
أو شاحِبٍ بوشاحِ المَوتِ مُلتَثِمِ

إن كان ما قد جَنَاهُ العلمُ مَهلَكَةً
للنّاس يا لَيتَ دامَ الجهلُ لِلأُمَمِ

أو كان لا بُدّ في الحالَينِ من كَدَرٍ
للنّاس يا لَيتَ هذا العيش لم يَدُمِ