سَلا هَل لَدَيهِم مِن حَديثٍ لِقادِمٍ - شكيب أرسلان

سَلا هَل لَدَيهِم مِن حَديثٍ لِقادِمٍ
عَنِ الغَربِ يَروي فيهِ غُلَّةَ هائِمِ

وَهَل وَرَدَتهُم عَن كَريمِ مَقامِهِ
سَمانَ المَعالي في لِطافِ النَسائِمِ

وَهَل نَظَروا مِن نَحوِ بُرقَةِ موهِنا
فَلاحَت لَهُم مِنها بُروقُ الصَوارِمِ

تَأَلَّقَ في لَيلي ظَلامٌ وَقَسطَلٌ
فَتُنشِئُ سُحبَ الدَمعِ مِن طَرفِ شائِمِ

مَواطِنُ إِخوانٍ تَملوا مِنَ الرَدى
كُؤوساً تَساقوها بِمِلءِ الحَلاقِمِ

دِفاعاً عَنِ الأَوطانِ إِن دِفاعَها
لَدى كُلِّ قَومٍ كانَ أَولى المَكارِمِ

تَهَيَّبَهُم فيها العَدُوُّ مُهاجِماً
فَجاءَ دَبيبُ اللِصِّ في لَيلٍ قاتِمِ

وَلَيَّنَ في إِقبالِهِ مِن إِهابِهِ
وَهَل يَخدَعُ الإِنسانُ لينُ الأَراقِمِ

فَثاروا وَما كانَت زَعانِفُ رومَةٍ
مِنَ العُربِ أَكفاءَ اللُيوثِ الضَراغِمِ

وَنِعمَ سُقاةِ المَوتِ هُم كُلَّما بَدَت
بُروقُ المَواضي في رُعودِ الغَماغِمِ

وَحَسبُكَ مِنهُم كُلَّ قَومً نِمتُهُمو
أَرومَةُ قَحطانَ وَنَبعَةَ هاشِمِ

وَكَم وَقَفوا يَستَنصِفونَ عَدُوَّهُم
وَهَزّوا مِنَ الأَملاكِ جَذعَ المَراحِمِ

فَلَمّا رَأَو عَجزَ الدَليلَ تَطلُبوا
لَدا الصارِمِ البَتّارِ صِدقَ التَراجِمِ

فَلَم يَكُ مِثلَ السَيفِ كَاليَومِ قاضِياً
وَلا العَهدُ مِثلَ الآَنَ أَحلامُ حالِمِ

وَما طالَ نَومُ السَيفِ إِلّا تَنَبَّهَت
عُيونُ الدَواهي مِنهُعَن جَفنِ نائِمِ

أَخلا سوقٌ لِلمَنايا مَقامَةً
تُباعُ حَفافيها غَوالي الجَماجِمِ

فَهَل لَكُمو في سوقِ بَرٍّ وَرَحمَةٍ
تَنالونَ فيها بِاقِياتِ المَغانِمِ

غِياثاً لِمَظلومٍ وَنَصراً لِصارِخٍ
وَضَمداً لِمَجروحٍ وَقوتاً لِصائِمِ

كَفى بِالهَلالِ الأَحمَرِ اليَومَ هادِياً
لِمَن حارَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ داهِمِ

وَأَكرَمَ بِأُمِّ المُحسِنينَ الَّذي طَمى
جَداها كَلِّجِ العِلمَ المُتلاطِمِ

سَليلَةُ إِلهامي فَمِن كُلِّ جانِبٍ
لَها نِسَبٌ نَحوَ البُحورِ الخَضارِمِ

وَأَجدَرَ بِقومٍ أَمطَرَتهُم هِباتُها
بِأَن يَأمَلوا اِنفِراجَ المَآزِمِ

وَحاشا بِلاداً أَنتُم عَن يَمينِها
يُفتِ بِأَعضاذٍ لَها وَمَعاصِمِ

تَخَيَّلتُها شَوقاً عَلى بُعدِ دارِها
تُصافِحُكُم بِالقَلبِ لا بِالبَراجِمِ

لَقَد حوصِروا بَرّاً وَبَحراً وَأُمطِروا
بِحُمرِ المَنايا مِن سَوادِ الغَمائِمِ

وَقَد طالَما أَرهَفَت حَدَّ يَراعَتي
فَلَمّا تَعالى الخَطبُ عُدَّت لِصارِمي

أَجَلَّ إِنِّنا مِن أُمَّةٍ عَرَبِيَّةٍ
نُكافِحُ عَنها عادِياتُ الأَعاجِمِ

وَلَو أَنصَفَ الأَقوامُ في حَقِّهِم رَأَوا
مُؤاساتِهِم فَرَضاً عَلى كُلِّ آدَمي