أَدِر لَنا راحَ تِذكارِ الحِمى أَدِر - شكيب أرسلان

أَدِر لَنا راحَ تِذكارِ الحِمى أَدِر
وَصفَ لَنا اليَومَ مَحلى سَفحِهِ النَضِرِ

وَاِرمُق سَناوَتُهُ وَاِنظُر سَماوَتُهُ
تَرى دَرارِيِّها تَزدانُ بِالدُرَرِ

تَرى قِبابَ السَنا في الأُفُقِ صاعِدَةً
عَلى أَساطينِ نورِ ناثِرِ الأَكرِ

أَنعَمَ بِها لَيلَةَ لُبنانَ تاهَ بِها
وَباتَ يَرفُلُ في ثَوبٍ مِنَ الحِبرِ

جادَ الزَمانُ بِأَهليهِ بِطَلعَتِها
مِن بَعدِ ظَنٍّ بِها في سالِفِ العَصرِ

كَأَنَّما كانَ مُنذُ البَدءِ حامِلُها
حَتّى تَمَخَّضَها ذا اليَومَ عَن كِبرِ

يَزينُ قِبَّتُها نورٌ وَساحَتُها
نَورٌ فَتَزهَرُ بَينَ الزَهرِ وَالزَهرِ

حَتّى كَأَنَّ ضِياها اِمتَدَّ مُتَّصِلاً
بِيَومِها وَكَأَنَّ الأَرضَ لَم تَدرِ

مَشاهِدَ كَمُلَت أَنوارَ زينَتَها
ما بَينَ مُنتَظِمٌ مِنها وَمُنتَثِرِ

يَكادُ لُبنانَ أَن يَهتَزَّ مِن طَرَبٍ
وَأَن يَمينسَ بِها يَحويهِ مِن مَدَرِ

عِمتَ بِذي البَهجةِ العُليا مَسَرَّتُهُ
جَميعَ أَهليهِ مِن بادٍ وَمُحتَضَرِ

تَأَرَّجَت مِن ثَنا المَولى الوَزيرِ لَنا
أَرجاؤُهُ بِأَريجٍ ضائِعٍ عَطِرِ

هُوَ الوَزيرُ الَّذي ما شِئتَ مِن وَزرِ
مِنهُ عَلى دَهرِنا أَلفَيتَ مِن وَزرِ

أَقسَمَت مادامَ مِنهُ الخَيرُ مُنصَرِفاً
إِلى العِبادِ فَما زِندَ الزَمانِ وَري

كُنّا نُحاذِرُ دَهراً قَبلَ هِمَّتُهُ
فَالآنَ نَحنُ وَما نَبقى عَلى حَذَرِ

يَرتَدُّ عَن مَجدِهِ الوَضّاحُ مُنكَسِراً
طَرفٌ عَنِ الشَمسِ أَضحى غَيرَ مُنكَسِرِ

بَدرٌ يُنيرُ عَلى الأَقطارِ قاطِبَةً
بَحرٌ سِواهُ جَميعُ الناسِ كَالغَدرِ

مُهَذَّبٌ تَبخَعُ الجَلى لِحِكمَتِهِ
يَرى وَيَمضي مَضاءَ الصارِمِ الذَكَرِ

مُؤَيَّدَ سَنَةِ العَدلِ الَّتي شَرَفَت
وَرافِعَ رايَةِ الإِرشادِ في البِشرِ

طافَت بِكَعبَتِهِ الآمالَ وَاِعتَمَرَت
وَلَيسَ إِلّا البَنانَ الرَطبَ مِن حِجرِ

إِلى مَكارِمِهِ الآنامَ وارِدَةٌ
تَترى وَلَكِنَّهُ وَرَدَ بِلا صَدرِ

باتَت تَحدُثُ عَن مَعنى سَماحَتِهِ
وَعَدلٌُ أَحكامِهِ الغَرّاءِ عَن عُمرِ

أَبدى فَأَيَّدَ أَيدي المَكرُماتِ بِنا
جوداً كَما كَفَّ كَفَّ الرَزءُ وَالغَيرِ

أَينَ الرُزيئَةَ تَجتاحُ العِبادَ فَقَد
رَمى بَها بَينَ سَمعِ الأَرضِ وَالبَصَرِ

لَهُ بِكُلِّ مَكانٍ كُلَّ مَأثَرَةٍ
غَراءَ مَعلومَةِ الأَحجالِ وَالغُرَرِ

إِذا أَفاضَ عَلى العافي مَواهِبُهُ
أزرى بِغَيثٍ مِنَ الوَطفاءَ مُنهَمِرُ

وَإِن سَطا بِطِعانِ مِلءٍ مِن يَدِهِ
قَرى الوَشيجُ وَغَربَ الصَيلَمِ البَترِ

يا مَن لِتَأييدِ عَلياهُ وَسُلطَتُهُ
تَدعو الرَعِيَّةَ في الآصالِ وَالبِكرِ

بِكَ اِنقَضَت غُصَّةَ الأَيّامِ وَاِنكَشَفَت
صُروفُها بِالزَمانِ الأَخضَرِ النَضِرِ

لَكَ الأَيادي عَلى لُبنانَ تُرسِلُها
سُحُباً عَلى رائِحٍ فيها وَمُبتَكَرِ

لَكُم رَأَيتُ لَهُ صَدعاً وَكَم شَعثٍ
لَمَمَت فيهِ وَكَم قومَت مِن صَعرِ

سَقَيتُهُ الغَيثُ مِن رَغَدٍ وَمِن دِعَةٍ
كَذاكَ يَسقي جَديبَ الأَرضِ بِالمَطَرِ

فَعادَ بَعدَ ذَوِيٍّ عَيشُهُ نَضراً
وَشَبَّ بَعدَ وُضوحِ الشَيبِ في الشِعرِ

ما إِن تَرى ماسَ بَينَ الناسِ غُصنٌ هُنا
إِلّا وَلُبنانَ أَمسى خَيرَ مُهتَصِرِ

مالي أَعدُد ما واصَيتُ مِن نِعَمٍ
عَلى حِماكَ وَما شُيِّدَت مِن أَثَرِ

فَمِثلُ فَضلِكَ بَحراً لَيسَ يَحصُرُهُ
لِسانٌ مِثلي في ذا العَيِّ وَالحَصَرِ

فَاِهنَأ بِسَعدِ هَداءٍ لا تَزالُ بِهِ
مُقارِنُ العِزَّ وَالنُعمى مَدى العُمرِ

تَزهو لَنا اليَومَ في تاريخِهِ جُمَلٌ
فَقُل تَجَلّى قَرانَ الشَمسِ وَالقَمَرِ