أدركتُ حظي في شتاء حياتي - وديع عقل

أدركتُ حظي في شتاء حياتي
كالصبح منبلجاً من الظلماتِ

فرجعت من عمري إلى شرخ الصبا
ونبذت زهدي وازدريت حصاتي

ووقفت من لبنان بين ظبائه
صباً اسائلهن أين مهاتي

خلفتها يوم الوداع شجية
وسلخت عن قبلاتنا قبلاتي

ولزمت آداب المشيب وضيمها
متنكراً لصبابتي بأناتي

متحامياً شكوى البوارح مانعاً
مكنون وجدي ان يجوز لهاتي

والنجم ينظر دمع عيني وحده
ولليل يسمع وحده أناتي

ما كنت أحسب أن أعود وللمنى
نشواتها واعيش بعد مماتي

اما الألى ردوا علي حشاشتي
فحياتهم مفديةٌ بحياتي

عطفوا علي وعظموا قدري وما
أنا غير عبدهم وهم ساداتي

لولاهم لاستأسد الباغي على
شأني وغل يدي دهري العاتي

دهرٌ يغير على الأديب فما أرى
من ركبه نحوي سوى الآفات

وجريرتي أني لبست حياله
درعاً تقي صدري من الطعنات

واللَه يعلم أنني لم أبتذل
أدبي الأبي ولا أهنتُ هناتي

قطعت أيام الشباب وشرعتي
بين الموارد شرعة الحسنات

وحفظت عهد أحبتي متنكباً
في حب قومي عن محبة ذاتي

ولزمت لبنان المفدى وقت لم
يلزمه في بلواه غير فداة

إن لم تكن لي في الكريهة نارها
فقريحتي قذافةُ الجمرات

أو لم تكن لي قوسها وسهامها
أوترت ذهني بارياً كلماتي

الثلج من لبنان شاطئ خاطري
والأرز منه مجتلى آياتي

اجلو عليه بنات فكري حرةً
فتروحُ قيد هواه كالآمات

يقتادها مثل السبايا العانيا
ت له وهن على سواه عوات

تلك العرائس ما لبسن من الحلى
إلا مصوغ رياضه النضرات

تغدو وتمسي في مشارف أرزه
كالحور مشرفةً من الجنات

والبرق دون جبينها ومناكب الأقمار
دون مواطئ الخطوات

قسماً بها وهي القوافي ان حلف
ت بها أبر كمقسم باللات

لو لم يكن لبنان بعد اللَه مع
بودي لما كان القريض صلاتي

وإذا شكوت فانني شاكٍ إلى
لبنان ما ضيعت من نفثاتي

الشعر في غير الأديب خسارة
مثل اللجين يذابُ في الدمنات

اني خبرت بني الزمان فلم أجد
إلا الأديب على البلاء يؤاتي

يشقى ليسعد شاقياً ويبيحه
روحاً تعيد الروح للأموات

روحٌ تسيل على اليراعة كلما
سال المدادُ بها على الصفحات

روحٌ تطل على الدجان كأنها
فلق الصباح يمزق الدجنات

هي قوةٌ سحريةٌ حصرت زما
م الكونِ بين يراعة ودواةِ

صالت على دول البغاة فقوضت
أركانها ومشت على الهامات

أفدي بروحي معشراً من قومها
سروا أساي وبردوا زفراتي

هم أهل ودي لا عدوت ظلالهم
فظلالهم للخير ست جهات

لولا طوالعهم لما واجهت في
لبنان غير طلائع النكبات

ولما تلقى مسمعي من رجعه
إلا أنين نوادب ونعاة

ولما وردت السلسبيل من الصفا
والطيباتُ ذواهبٌ وأوات

يا أخوةً سبغت علي دروعهم
وبهم وجدت مهندي وقناتي

أحيت عوارفكم بي الأمل الذي
ودعته ونظرت فيه رفاتي

أدركتموني والطريق كثيرة
عقباتها فأقلتم عثراتي

ولممتم الشمل الشتيت من المنى
فهفت إليَّ مناي بعد شتات

وغدرت لا اجد الحياة مصيبةً
ورجعت أحمدُ يقظتي وسباتي

من كان اخوته الأسود فانه
لا يرهب السرحان في الفلوات

شكري لكم شكر الوفيِّ لذي يدٍ
ردت عليه الروح بعد وفات