لا بأس من موتٍ آخر ! - محمد زيدان

- الإهداء/ إليها.. طبعاً.. ! -
ــــ
لا بأسَ من موتٍ آخر
يقترفُك الليلة ،
ولأن الكلامَ يتوسّدُ الهجير
ستفترضُ ما يلي:
1- أنكَ مطوَّقٌ بالنـزيف
2- وأنك سطرٌ في الخواء
3- وأنك تموت.. ولا أثرٌ يدلُّ عليك سواك..!
..
متعَبٌ جداً
كان نهارُكَ محتشداً بالفوضى
مأهولاً بالخراب
محموماً بالمكائد
وموشوماً بالغواية ،
ولأن البوحَ رفعٌ للماء
ستشي بك الجداول
وتدفعُكَ الريحُ إلى آخرِ فاصلةٍ
في الهدير
لتصلبكَ في عراء الكلمات
..
مرهَقٌ للغاية
وتـ
تـ
سـ
ا
ا
ا
قـ
ـطُ جداً ،
فمنذ تلك الريح
وتأخذُكَ الضراوةُ إلى الشحوب
ومنذ ذاك الغيم
عليك أن تشبهَ وجهك
ذلك اليأخُذُكَ إليها
دون تعثُّرٍ في التفاصيل
أو بحثٍ جزئي عن علامات فارقة ،
فأيُّ صراخٍ يكسرُ الهواء
وأنت تموتُ بصورةٍ أفضل ؟
وأي ماءٍ يهشمُ العويل
وأنت أبهةُ الجنائز الأنيقة ؟
أي انهمارٍ يطفئ الهسيس
وأي ذهابٍ في الحريق
أي وأي وأ....
يااااااااااه...!!!
هزّ حيرتك وراقِصْ ذهولك
والآن
لا شيء !
اهدأ فقط ، ودع الموسيقى تسيلُ
على هذا الخراب
...
كنتَ أقربَ إلى القصيدة
حين راودها العواء
فسقطتْ في كحل الخديعة
وكانت أبعدَ من غيمة
حينما انطفأت حواسُك/ فجأة
فمزقتك نصالُ الخواء
واعترتك الرجفة ،
فقط ، عليكَ أن تعقدَ صلحاً مؤقتاً مع اللحظة
وتعيد ترتيب التفاصيل:
- ماذا لو أعربتَ عن رغبتك في الخروج
أو هيأتَ نفسك لقراءة قصيدة
ثم اكتشفت عطباً إضافياً في العينين ؟
- ماذا لو قررتَ فجأةً تقليمَ أظافرك
أو تدوينَ سيرةِ رجلٍ كُنتَهُ
ثم اكتشفتَ أن أصابعك ملأى بالثقوب ؟
لا بأس ،
يلزمك أكثرُ من تصعيدٍ للبكاء:
- لكَ أن تعدَّ فنجان قهوة بلا سكر
وتشعلَ آخر سيجارةٍ في ليلك المُحنَّط
حارقاً في رمادها سلالاتِ الهموم
ومانحاً رئتيك فرصةً أخيرة
لاستشهادٍ عبثيٍ مثير
على يدِ سرطان غبي
- لك أن تعتصرَ سحابة الذاكرة
وتحرثَ تفاصيل الطين
بحثاً عن وجهين تحبهما
عجوزٍ في العاشرة ، وطفلةٍ بعمر الأزل
- لك أن...
وفيما يتمدّدُ جرحُك على أريكة الليل
لا بأسَ من حمامٍ سريع
وقليلٍ من العطر
استعداداً لسؤالٍ محتمل:
- هل فرغتَ من الحياة..؟
..
للتوِّ
كان حضورُها تعويذةً للوقت
كان العذوبة
وكان وضوءَك للصلاة
وحتى آخرِ هنيهةٍ للعشق
كنتَ الصلاة
وكنتَ البدءَ والمُنتهَى ،
فبأي آلاءِ الحنين ضيَّعتكَ المنافي
حتى تغرَّبَت فيك الجهات
واستبدّ بخفقِكَ المتاه ؟
وبأي ماءٍ تبتدئُك التراتيل
ليعمِّدَ الطهرُ أجِنّة كفرِكَ المخبوء
وتفيءَ في دمكَ الوثني الصبواتُ النبيّة..؟!
..
ها ها ها
قارورةُ الكلام
لا تكفُّ عن المسيل
ولا وقتَ لديك لدفع الضحك
في اتجاهٍ آخر
ربما تزجيةُ الفراغ في المساورة
تمنحك فاتحةً أخيرة لتدشين النهايات
وقد ينسكب حبرُ موتك السري/ خلسة
على منبت عاصفةٍ في الجوار
فيأثمُ عظمُ الأرض بنقيع كفرك
وتتوثّنُ بدمِكَ الجهات..!
...
ها ها ها
يا لهذا الخواء ..!
..
بإمكانك أن تموتَ بلا ثرثرة
ودون تورّطٍ في الهراء
بإمكانك أن تموت دونما ترهُّل
أو إغراقٍ مملٍّ في سرد الهشاشة
تستطيع أن تنصب سُرادِقَ عزائك
كمن يقيمُ في الوهلة
أو يستوطنُ فقاعة حلم
فهل يجرحك السؤال: لِمَ ؟
ولأنك توهّمتَ اختلافَكَ عنهم
فلن يكون موتُك كما تشتهي !
ولأنها تراكَ كالآخرين
فلن يبكي عليك أحدٌ سواك !
فقط ، ذلك الطفلُ المجروحُ الوجنتين
لا يزالُ يبسملُ في الماء
ويسجدُ في الضوء
متشحاً بالرماد
وداخلاً في موته المتكرر كل صباح
محاولاً تأسيس قيامةٍ تليقُ به
ومنتظراً وجهاً لا يشبه أحداً
فهل تتوقف الآن ؟!
..
آن لموتكَ أن ينضج
فصيِّره كأبهى ما يكون
وكأي عاقلٍ جداً
عليكَ أن تنسلّ إلى الطمأنينة
كيفما اتفق
وتأفلَ دونما ضجيج
..
هيا.. اخرج الآن من القصيدة ..!!!