البحيرة - إبراهيم ناجي

معربة عن لامارتين

.......
.......

من شاطئِ لشواطئٍ جددِ
يرمي بنا ليلٌ من الأبدِ

ما مَرّ منه مضى فلم يعدِ
هيهات مرسى يومِه لغدِ!

سنةٌ مضت! وختامُها حانا
والدهرُ فرّق شملَنا أبدا

ناجِ البحيرةَ وحدك الآنا
واجلسْ بهذا الصخرِ منفردا!

قل للبحيرةِ تذكرين وقد
سكن المساءُ ونحن باللجِّ

لا صوت يسمع في الدنى لأحدْ
الا صدى المجدافِ والموجِ

فاذا بصوتٍ غير معتادِ
هزّ السكونَ هتافهُ العذبُ

أصغى العبابُ ورجَّع الوادي
أصداءَه وتناجتِ السحبُ

يا. دهر في وفق ولا تدرِ:
ساعاته في هينة وقفى

حتى تتاح هناءةُ العمرِ
وتطول لذتُها لمقتطفِ

هلا التفتَّ لذلك الكونِ
وعلمت كم في الناس من باكي

يدعوك خذني والأسى المضنيْ
خلِّ الممتِّعِ وامضِ بالشاكي

هذا النعيم وهاته المحنُ
يتنافسان الدهر اقلاعا

فبأي عدلٍ أيها الزمنُ
تتشابهُ الحالان إسراعا

يا أيها الأبد السحيق أجبْ
وتكلمي يا هوة الماضي

ما تصنعان بأشهرٍ وحقبْ
ونعيم عمرٍ غير معتاض

ناج البحيرةَ والصخورِ وعُدْ
فاستحلِف الأغوارَ والغابا

قل! صُنْ ذكر غرامنا فلقدْ
صين الشبابُ عليك أحقابا

ولتبق يا هذي البحيرة في
حاليك ثائرة وهادئةً

في باسق للماء منعطفٍ
في رائعات الصخر نائتةً

في عابر النسماتِ مرتجفَا
في النجم فضض صفحةَ الماءِ

في الريح أنّ أنينه وهفا
في الغصن نفَّسَ حر أحشاءِ

في الجو معتبقاً بريّالِ
خطرت ملاعبة رقيق صبا

في كل هذا هاتفٌ باكي
سيقول يا أسفا لقد ذهبا!