اللقاء الثاني - جمال مرسي

و حَمَلْتُ أحلامي على ظهري ، و قد
سَلَكَتْ أمانيَّ الطريقَ الثاني

و تعثَّرتْ قَدَمايَ في صمتِ الدُّجى
و تنكّرتْ لتعثري أحزاني

فإذا بعيني قد تأبّى دمعُها
و القلبُ في وسطِ الطريقِ رماني

يا قلبُ لستُ بخائنٍ عهدَ الهوى
كلاّ ، و لستُ بغادرٍ أو جاني

إنّي أنا المقتولُ غدراً حينما
ضيّعتُ عمري عاشقاً و زماني

سافرتُ و الآمال تملأ مهجتي
بسفينتي لجزيرةِ المرجانِ

كي أقطفَ العِقْدَ الذي واعدتُها
من قاعِ بحرٍ هاجَ كالبركانِ

عانيتُ ما عانيتُ من أهوالهِ
فالموْجُ عاتٍ و الجوى أضناني

و الغربة الحمقاءُ كادت و النوى
أن يعصفا بالحلمِ و الربَّانِ

لكنني لم يُثنني بحرٌ ، و لم
أحفلْ بطول البعدِ عن أوطاني

وطني الجميلُ رسمتُهُ في عينها
و نَقَشْتُ عينيها على وجداني

قد كانتا زادي فلم اشعرْ بما
لاقاه قبلي سائرُ الركبانِ

أغفو على صدرِ الحبيبةِ وقتما
شئتُ الهجوعَ ، فصدرُها بستاني

و ألوذُ من قيظِ السنينِ بجفنها
كالطيرِ حين تلوذُ بالأغصانِ

و رجعتُ يا قلبي و مَهْرِي في يدي
من لؤلؤٍ و زبرجدٍ و جُمانِ

و حقائبي ملأى بنارِ صبابتي
و الشوقُ يُفعمُ خافقي و كياني

فمشيتُ في الدربِ الطويلِ يقودني
خطوي و شوقي للقاءِ الثاني

نفسُ الطريقِ عرفتُهُ من عطرها
لا زلتُ أذكرُهُ ، فهل ينساني ؟

حتى إذا انتهتْ الخُطى في بيتها
و تسمّرَتْ في بابِهِ القدمانِ

خَرَجَتْ إليَّ و حَمْلُهَا في بطنها
ترنو إليهِ و خلفها طفلانِ

و تبعثَرَت نظراتُها في دهشةٍ
بيني ، و طفليها ، و من باراني

هذا الذي كانت هناك رسومُهُ
فوقَ الجدارِ بسائرِ الأركانِ

قالت: زمانُكَ قد مضى فاذهب بما
أحضرْتَهُ يا فارسَ الفرسانِ

ماذا تفيدُ جواهرٌ و فرائدٌ
إن بدَّدَ الهجرُ الطويلُ أماني

إذهب بمالكَ لم تعد بي حاجةٌ
في المالِ بعد الليلِ و القضبانِ

إذهب فزوجي و الصغارُ و وحدتي
هم حاضري و لهم أعيشُ زماني

فوقفتُ منبهراً ألملمُ حيرتي
وكتمتُ في جوفي لظى أشجاني

و رجعتُ أدراجي و قلبي حائرٌ
هذا ، و قد عقد الذهول لساني