الببغاء - جمال مرسي

لي بَبَّغَاءٌ يعشقُ التقليدا
وَيُرَدِّدُ الأصواتَ لي ترديدا

إن قُلتُ أهلاً ، قال أهلاً مثلها
وإلى اللقاءِ يُعيدها تجويدا

وإذا أشرتُ مُهدداً بأصابعي
مدَّ الجناحَ و أرسلَ التهديدا

فإذا رآني عابساً مُتَجَهِّمَاً
يحنو عليَّ فيطلقُ التغريدا

يسعى لكي يستلَّ حزني مُلقياً
إياه عنِّي في الفضاءِ بعيدا

هو ببغاءٌ مخلصٌ ومثابرٌ
لم يَشْكُ في يومٍ إليّ قيودا

يا طالما أطعمتُهُ فضلاتنا
عدساً وخبزاً يابساً وثريدا

فيقول حمداً للذي خلق الورى
يستأهل الشكرانَ والتمجيدا

لم يعترضْ يوماً ولم يُظهرْ أسىً
شجباً ..كمثلِ العُرْبِ ..أو تنديدا

لكنني كم كنتُ فظّاً نَحْوَهُ
فلطالما قيدتُهُ تقييدا

و منعتهُ ألا يرى غيري أنا
و تركتُهُ دونَ الرِّفاقِ وحيدا

لا خُلَّةٌ يشكو إليها هَمَّهُ
فَتُخَفِّفُ الأعباءَ و التنكيدا

لا صاحبٌ يُفضي إليهِ بِسِرِّهِ
أهٍ أراني زدتهُ تعقيدا

لو كنتُ في حالٍ يُحاكي حالََهُ
ما كنتُ أرضى ذِلَّةً وحديدا

ولكنتُ حطَّمتُ القيودَ جميعها
لأكونَ حراً في الوجودِ سعيدا

طوراً على الغصنِ الظليلِ ، وتارةً
فوق الجبالِ أبُثُّها التغريدا

أقتاتُ مما أنتقي بإرادتي
أو أرتدي مما صنعتُ جديدا

و أشاطرُ الورقاءَ في أفراحِها
واقاسمُ الطفلَ البرئَ العيدا

***

ما خابَ في الببْغاء حدْسي ، حينما
عُدتُ المساءَ فلم يكن موجودا

فتشتُ عن آثارِهِ في منزلي
وسألتُ صمتَ الليلِ و التسهيدا

لكنه قد كان فكَّ إسارَهُ
ثم ارتقى صوب النجومِ بعيدا

ناديتُهُ ، ناجيتُهُُ ، لم يستجبْ
ناشدتُهُ أن ينثني ويعودا

لكنَّهُُ أخذ القرارَ بجرأةٍ
زادتْهُ قدْراً .. داخلي .. محمودا

فحزنتُ .. رغم سعادتي .. حُزنَ الذي
فقدَ الشبابَ و ضيَّع المولودا