العودة إلى الله - جمال مرسي

يا نفسُ هل مِن عودةٍ ومآبِ
من قبل طيِّ صحيفتي و كتابي

مالي أراكِ بظلمةٍ ومتاهةٍ
تستعذبينَ مَشَقَّتِي وعذابي

زَحَفَت جيوشُ الشَّيبِ زَحفاً فَاعتَلَت
عَرشَ الفؤادِ تَدُكُّ صَرحَ شبابي

و الأربعونَ تُذيعُ سِرّاً ، لمْ أَكُن
مِن قَبْلِها أدخلتهُ بحسابي

هذا الشبابُ الغضُّ راحَ زَمَانُهُ
وَ الدَّهرُ كشَّر غاضباً عن نابِ

وانقَضَّت الدُّنيا على طُلاّبِها
بزخارفٍ براقةٍ و ثيابِ

فسقتهمُ لما تَنَاسَوْا غَدرَها
كأساً من الآلامِ و الأوصابِ

كم أنشَبَت أظفارَها بِلحومِهِم
فاستسلموا كفريسةٍ لعُقابِ

وَلَكم هَوَت بالمُولَعينَ بسحرها
مِن سامقاتٍ في السَّما لترابِ

ولكم تمنَّاهَا أخو الدنيا ، فَلَم
يظفر طوالَ حياتِهِ بِطِلابِ

أعيتهُ ركضاً خلفها ورَمَت بِهِ
ظَمِئاً ، كمن أعيتهُ خلف سرابِ

لا تدهشي يا نفسُ لا تتعجبي
لا تنظري لي نظرةَ استغرابِ

هذي هي الدنيا ، ألم تتعلمي ؟
أم أنتِ ممن سفَّهوا أسبابي ؟

فتشدَّقوا بالقولِ أنِّي يائسٌ
أبصرتُها من أضيقِ الأثقابِ

وبأنني لما زهدتُ أطايبي
أوصدتُ في وجه الدُّنا أبوابي

وحبستُ نفسي في قيودِ تَغَرُّبي
و زجرتُها أن بَادَرَت بعتابي

كَلا َّ، فلستُ من الذين توهموا
زوراً ، و لكن من أولي الألبابِ

والمرءُ إن أعطاهُ ربي حكمةً
كانت كبدرٍ ساطعٍ خلاّبِ

يسبي العقولَ بهاؤهُ ، فيزينُها
كالوشيِ يُبدي زينةَ الأثوابِ

هذي هيَ الدنيا كما أبصرتُها
مرَّت أمام العين مرَّ سحابِ

حدَّقتُ فيها ناظريَّ ، فلم أجد
إلا ذئاباً أَوْقَعَت بذئابِ

و الكلُّ فيها شاخِصٌ مُتَرَبِصٌ
بقواطعٍ مسلولةٍ و حِرابِ

و رأيتُ خلقاً يلهثون وراءها
فأنَختُ في وسَطِ الطريقِ رِكابي

وعلمتُ أنَّ العمرَ فيها لحظةٌ
قد تنقضي في جيئَةٍ و ذَهابِ

و الموتُ آتٍ لا يُفَرِّقُ سيفُهُ
بين الصبيِّ و ذلك المُتَصابي

فأخذتُ حِذري بالرجوع إلى الذي
خَلَقَ الدُّنا، أرجو قبولَ متابي

فَوَجَدتُهُ ربّاً غفوراً راحِماً
أنعم بِهِ من غافِرٍ توّابِ

أنَّبتُ نفسي ، لُمتُها ، وبَّختُها
أن لم يكن من قبل ذاكَ إيابي