الغريب - حمزة قناوي

( الغريب )
- " هذا هو اسمُكَ يا غريبُ فما اتجاهُكَ ؟ "
ألقت الريحُ السؤالَ وغادرت نحو الغيابِ
ولم يعُد خلفَ المدى إلا المدى
تعب الحقائب شدَّني
لأريحَ عن كتفي حمولتها على الجسرِ القريب
وضعتُ آلامي عليهِ ووحشتي
وأرحتُ نفسي من سؤالِ العابرين ومن متاهاتِ الخرائِطِ
تاركاً وجهي لماءِ النهر يركضُ
حيثما يبغي الخريرُ أو الصدى
هذا هو اسمي .. رُبَّما !
لكنني أتأملُّ الأشياءَ والأسماءَ
تسرقُ وحشتي مني الهويَّةَ
حين تأخذني وجوهُ العابرينَ إلى شتاءات المنافي
شارداً ومُشرَّدا !
- " لا وقتَ للحُزنِ المُضيَّع يا غريبْ ! "
رمت ليَ الصفصافةُ الكلمات حتى أستعيد الوقتَ من تيهِ الشرود
وأستعيدَ من ارتياح الحُلم وجهي المُجهَدا !
" ما وجهتي ؟ "
مرَّت بيَ الشقراءُ باسمةً مُرنِّحةً جهاتيَ كُلَّها
ومضت كزوبعةِ الحريرِ فحاصرَت جسدي انتحاباتُ الندى !
هذي دروبٌ للغيابِ
وتلكَ أحلامٌ تُبعثِرُها امتداداتُ القطارات المضيئة للشمال
فيترُكُ في مقاعِدها المسافرُ قلبَهُ مستشهِدا !
لملمتُ حزنَ حقائبي
ومضيتُ فوقَ الجسرِ قلبي وردةٌ في الريحِ
والماضونَ حوليَ ينبشونَ ملامحي بزجاجِ أعينهم
لأعبُرَ في شِباكِ السائرينَ مُراوِداً ومُرَاوَدا
ما الوقتُ حينَ تُلملِمُ الغاياتُ وجهتها ؟
وما الغاياتُ إن شحبت وجوه الأهلِ في الذكرى
فصارت في مدى النسيانِ منديلاً يُلوِّحُ للغياب
ونغمةٌ تبكي إذا ارتعش الكمان
وموعداً في المستحيلِ بغى الغدا ؟
دربٌ .. ولا دربٌ هنالكَ للغريبِ يشدُّهُ
ومدينةٌ ماجت على أسوارِها الأحزانُ من عهدٍ أثينيٍّ
تطاردُ في أساه تشرُّدا
والكائناتُ جميعها أسرابُ أطيافٍ تلفُّ طريقَهُ
والوقتُ أجراسٌ تُحلِّقُ في المدى
وتُبدَّدا
باريس . 25 /6 / 2006