الشعاع الخابي - سيد قطب

لاحَ لي من جانب الأفق شعاع
بينما أخبطُ في داجي الظلام
في صحارى اليأس أسرى في ارتياع
حيث تبدو موحشات كالرجام
،
حيثُ يسري الهول فيها واجما
ويطوف الرعب فيها حائما
والفناء المحض يبدو جاثما
،
وترى الأشباح في رأس التلاع
كالسعالى ، أو كأشباح الحمام
فاغرات تتشهّى الابتــلاع
تنهش اللحمَ ، وتفري في العظام
***
فتلفّتّ على الضـوء يلوح
مثلما تلمعُ عينُ الساهرِ
أو كما تهمس في الأجداث روح
أو كمعنى شاردٍ في الخاطرِ
،
قد تلفتّ بقلب مستطار
شفّه الذعر وأضناه العثار
طالما رجّى تباشير النهار
،
ثم أزمعتُ إلى الأفق الصبوح
أرتجي فيهِ أمـان الحائرِ
أصعد الرابي وأهوى في السفوح
وكأني طيف جنّ نافر
***
ثم ماذا ؟ ثم قد ساد الحلك !
فجأة والقبس الهادي خبا
ثم أحسست بدقات الفلك
لاهثات تتراخى تعبا !
،
رجفةُ الخائف أضناهُ العياء
وهو يعدو لاهثاً عدو الطلاء
قبلما يلحقها غول الفناء
،
وإذا قلبي خفوق منتهك
ليس يدري لخلاص سببا
حولهُ الظلمةُ في أيّ سلك
حيث ينسى الهاربون الهربا
***
قلتُ ماذا ؟ قال لي رجع الصدى
إيه ماذا ؟! قلتُ للوهم علاما !
قال لي اخشع أنت في وادي الردى
حيث يطوى الضـوء طرا والظلاما!
،
ها هنا تثوي الأماني ، ها هنا
في مهاوي اليأس في كهف الفنا
كل شيء هالك ، حتى أنا !
،
ثم ضاع الصوت يفنى بددا
وتلاشى تاركا منه التماما
وإذا بي عدت أسري مفرداً
لا أرى شيئاً ، ولا أدري إلاما ؟!
*
1932