الغد المجهول - سيد قطب

يا ليت شعري ما يخبئهُ غدي ؟
إني أروح مع الظنون و أغتدي !

وأجيل باصرتي بها وبصيرتي
أبغي الهدى فيها وما أنا مهتد !

حتى إذا لاح اليقينُ خلالها
أجفلتُ من وجه اليقين الأسود !

وأشحتُ عنه ولو أطقتُ دعوته
وطرحتُ عني حيرتي وترددي !

فكأنني الملاح تاهَ سفينهُ
ويخاف من شطّ مريب أجرد !

***

ماذا سيولد يوم تولدُ يا غدي ؟
إني أحس بهول هذا المولـد !

سيصرّح الشك الدفينُ بمهجتي
فأبيتُ فاقد خير ما ملكت يدي !

ستروع من حولي عواطف لم تزل
تًضفي عليّ بعطفها المتودد

ستجف أزهار يفوح عبيرها
حولي ، وينفحني بها الأرج الندي

والمشعل الهادي سيخبو ضوءهُ
ويلفني الليل البهيمُ بمفردي !

***

ماذا تخلف يوم تذهبُ يا غدي ؟
لا شيء بعد الفقد للمتفقد !

ستخلف الأيام قاعا صفصفاً
تذرو الرياح بها غبار الفدفد

لا مرتجى يُرجى ، ولا أسـف على
ماض يضيع كأنه لم يوجد !

أبدا ولا ذكرى تجدد ما انطوى
حتى التألم لا يعود بمشهدي !

رباهُ إني قد سئمتُ ترددي
فالآن ، فلتقدم بهولك يا غدي !

*

1934