الحنين لمُهج .. شوارعنا - عبد الناصر أحمد الجوهري

سأصلِّى خلفكَ يا شيخَ الشوارعْ
ما المانعْ
قد صلىَّ خلفكَ ..
عمَّالُ السُّخرة .. من قبلُ
وأفواج ( الفرما )
والنازلُ .. والطالعْ
سأصلِّى خلفكَ .. يا شيخَ الشوارعْ
كم صلَّى خلفكَ
فرسانٌ
ومغاويرٌ
وحرافيشٌ
وصفوف الأبطالِ
كم صلَّى خلفكَ ..
كل مماليك الوالى
سأصلِّى خلفكَ .. يا شيخ الشوارعْ
لى ماليس لغيرى
لى صحبٌ
وتسابيحٌ
وجوامعْ
لى منعطفٌ
كنَّا نتوسَّدُ فيه الأحلاما
كنَّا نشطحُ خلف عصافير الطيبة ..
نتقاسمُ أقماراً ،
أعراساً ،
أياماً
مرحى يا شيخ شوارعنا
كنت الشاطر .. ( حسنٍٍ )
فى كلِّ حواديتى
كنتَ الدمعة والأنساما
كنت أراجوز المجد ..
تداعبنا
كنتَ تشاركنا البوظة ..
والبهجة ..
والأنغاما
كنت توزِّع أرغفةً أدعيةً
وصباحاً وغراماً
كنتَ إماما
لى ما ليسِِ لغيرى
لى عيرٌ من أجل مرابضها
كنَّا نتصارعْ
لى ذكرى
تحذو حذو براءتنا
حين نُغيَّبُ .. عن أرجوحتنا ،
عن ركب حرافيش الشارعْ
لى ما ليس لغيرى
لى أن أعقدَ من طرف عباءتكَ
لواءً
وأحارب من أجلك ..
مملكةً .. وشوارعْ
لى أن أدحرَ أىَّ خنافس متسلِّلةٍ لمصاطبنا
لى أن أتحدَّى جيش ضفادعْ
لى ماليس لغيرى
لى أن أحفر حفرة أوجاعٍ
لى أن أصبح عرَّاب ( البلى ) ..
ولى أن أرميه لحلمى الضائعْ
لى ظلٌّ جائعْ
لى طلٌّ فى الحارات يراوغنا
لى شمسٌ تغزل ..
إلهاماً
وتجرِّد منا الآلاما
لى أن أخطبَ ودَّ مداراتى
وأوشوش أجراماً
لى ماليس لغيرى
لى أن أخسر خجلى ،
ضحكاتي .. لى أن أتنازل عن ..
بعض مطامعْ
لى لهوى المتخضِّبُ بالغربة ..
لى هذا الماضى الفارعْ
لى ماليس لغيرى
لى حين يجىء الليلُ ..
يشبُّ القمرُ المُنهكُ ..
فوق هواجسنا
يتركُ أغنيةً وودائعْ
لى أن أتسلَّل ..
فوق النخلات السامقة ..
وأخطف بلحاً منفيَّاً
ومدامعْ
لى أن أتسلَّل ..
فى حقل الأعناب ..
وأخدعُ ناطوراً
يتحصَّن فى أكشاك الليل الخانعْ
لى أن أقطف
زهر الرمان .. النائم .. من أفياء التخمة ..
لى أن أتسللَ ..
وسط حدائق ومزارعْ
لى أن أتسلَّق ..
أعمدة النور ..
ولى أن أوقظ مُهج كتابى
لى أن أُقْلقَ .. أخبيةً ..
ومضاجعْ
لى ماليس لغيرى
لى أن اعشق ..
دكان النقش الخشبىّْ
لى أن أعشق قبضات اليد ..
حين تحطُّ على أزميل اللَّمة ..
لتراوغ أعواد الزان ..
برسمٍ وردىّْ
لى ماليس لغيرى
لى صكّ شقاوتنا
لى حدسٌ قروىّْ
لى أن تأخذنى قدماىْ ،
لأخبِّئ صُررَ الأسحار ..
بأقفاص السعف اليدوىّْ
لى أن أتلصَّصَ ..
حين تمرُّ قوافل دلٍّ
لتسافر فىّْ
لى ماليس لغيرى
لى أن أركل حزنى شبراً شبراً
لى أن أدفع حجر مخاوفنا
فى وجه الغيلانْ
نرتدُّ إلى خطِّ الوحشة ..
ومربعنا كبَّله الحرمانْ
لى أن أعشق سعلاة البحر ..
ولى أن أسبح فى ترع الإيمانْ
لى ماليس لغيرى
لى أن ينشلنى المدَّاحُ الغارقُ
فى ملكوت الأكوانْ
لى أن أطلق أغنامي
تـأكل من عشب الرحمة ..
تشرب من أثراء القدرانْ
لى أن يخطفنى الماردُ ..
من نومى
لى أن يخطفنى
سرب حمامى للأشجانْ
لى ماليس لغيرى
لى أن أعشق أفراساً عربيَّةْ
وصهيلاً
يرمحُ فوق تخوم الوطنيَّةْ
لى أن أعشق ناصية المقهى
حين تهرول ضوضاء مدينتنا
لشغاف الألحانْ
لى أشعارٌ
مازالت هاربةً
فوق أعالى الأسطح ..
لى أفكارٌ تائهةٌ
فى وادي الجانْ
لى بيتٌ ظلّ .. يعافر ..
رغم كلاليب النسيانْ
من يرقينا يا شيخ الحارات ..
ويا شيخ الأجرانْ ؟!
صرنا الآن نصلِّى
خلف طواشيك .. فرادى
والخصيانْ
ما عادت تنفعُ أفخاخ الغُميضةِ ..
أو ركل الكرة ..
بساحات الغليانْ
ما عدنا فى الأصقاع ..
نهزُّّ جذوع التوت القانى
ما عدنا نعشق رائحة الغيطانْ
زحف الشيبُ ..
وأناخت أفئدةُ العمرِ ..
أساريرَ الوجدان
من سيصيدُ بصنارة دلتاىَ ..
قراميط اليتم ..
وأسماك الأحزانْ ؟!
إشهدْ يا شيخى
لو متُّ بشعرى مغترباً ،
عانقْ من أجلى كل الخلانْ
قد تاهت طائرتى الورقية ..
لم ترجع حتى الآنْ !!