كيف أصبحنا كذلك - عبدالعزيز جويدة

حينَ أُسألْ ..
عن مُباركْ
أتعجَّبْ !
كيفَ أصبحنا كذلكْ
قالَ شيخُ العارفينْ ،
والملقَّبْ ..
عندَهُ في الحزبِ دومًا
بابنِ مالك :
إنَّ للهِ شُئونًا
ولذلكْ
سورةُ المُلكِ استُهِلَّتْ " بمُباركْ "
قلتُ : تبدأ ( بتبارَك )
قالَ : ربي لم يَكنْ يَقصدُ ذلكْ
فاقرءُوها أينما كنتم
كذلكْ
***
حينَ أُسألْ ..
عن مباركْ
عصرهُ
عصرُ المصائبْ
والنوائبْ
حينَ تيأسْ ،
حينَ تَعرَى ، حينَ تشقى ،
ثم تَقتُلْ ..
في عيالِكْ
أنت في العصرِ المبارَكْ
عصرُهُ عصرُ الجِياعْ
عصرُ أوطانٍ تُباعْ
ثم يُودَعْ ..
ألفُ فقرٍ في حِسابِكْ
سيدي هذا جزاؤُكْ
حينَ تَسكُتْ ،
حينَ تَخرسْ ،
ثم تُنفى في بلادِكْ
***
ليسَ للإنسانِ قيمةْ
فأمانينا العظيمةْ ،
وانتصاراتُ العزيمةْ
تحتَ نعلِ ابنِ القديمةْ
جاءَ للحكمِ وعمري
كلُّهُ عشرونَ عامْ
بعهودٍ ، ووعودٍ ، وسلامْ
نحنُ صدَّقْنا الكلامْ
وقضينا العمرَ نربِطْ ..
في الحزامْ
آهِ يا عصرَ السُّخامْ
آهِ يا مَرضى الجُذامْ
كيفَ ألَّهْنا النظامْ ؟
ودخلنا الكهفَ نِمنا
وأفقنا
فاتَنا خمسونَ عامْ
آهِ يا شعبًا غريبا ،
وعجيبًا ، ومُريبا
كيفَ أجَّلْتَ الصِدامْ ؟
كيفَ نَحيا كلَّ هذا
في خضوعٍ ، وخُنوعْ
ثم نَحبَلْ ..
في الحرامْ ؟
فَنرَى من كلِّ رِعديدٍ وخائفْ
أمَّةً دونَ مواقفْ
لا تُفكرْ ،
لا تُجازِفْ
كلُّ شيءٍ فيكِ زائفْ
فادِّعاءُ الصبرِ زائفْ
والتصدُّقْ ،
والصلاةْ
والتَّضرُّعْ ..
للإلهْ
والتمسُكْ ..
بالحياةْ
كيفَ نَسجُدْ ..
للطُغاةْ
ثم نَسجدْ ..
للإلهْ
قلتُ : من أينَ أتتنا
يا أخي
تلكَ البلادةْ ؟
قيلَ : إن الجبنَ عادةْ
كالسيجارةْ ،
أو كفِنجانٍ منَ القهوةِ سادَةْ
كيفَ نعملْ ..
بالقِوادَةْ
ونُصلي ، ونُسبِّحْ ..
للقيادةْ ؟
لم يَعُدْ شيءٌ يُهِمْ
غيرُ تقديسِ السيادةْ
كلُّ عامٍ نحن تحتَكَ يا زعيمْ
قد لبسنا الآنَ طَرْحاتِ الحريمْ
ونسيرُ الآنَ طبقًا للأوامرْ
فوقَ دَربِ الجوعِ نَمضي
في صراطٍ مستقيمْ
آهِ يا شعبًا كفيفًا ، وأصَمْ
نتحدَّثْ ..
كلُّنا من غيرِ فَمْ
كلُّنا صِرنا نَزومْ
ثم نجلسْ ..
ونَقومْ
وبلادُ القهرِ يومًا
في دماها ستعومْ
قادمٌ واللهِ قادمْ ..
ذلكَ اليومُ المُظفَّرْ
واعذروهُ إن تأخَّرْ ..
في القدومْ
***
في بلادي
كلُّ قُطرٍ فوقَهُ يَجلسْ ..
مَليكْ
ما لهُ في الرأيِ دومًا
من شَريكْ
بينَ أوحالِ السياسةْ ،
والزعاماتِ المُداسةْ
سوفَ تَشعُرْ ..
أن كلبًا قد تبوَّلْ ..
فوقَ رأسِكْ
من زعاماتِ القِوادةْ ،
والنِّخاسةْ
سوفَ تسألْ :
هل عليكَ الآنَ شيءٌ
من تطهُّرْ ؟
لا وربي
ليسَ في العُهرِ نجاسةْ
وسيُفتي الأمريكانْ :
كلُّ مَن فوقَ الكراسي
ليسَ حكامًا ولكن
هم كلابٌ للحراسةْ
فلماذا قد منحتوهم قداسةْ
آهِ يا أرضَ التعاسةْ
***
حينَ أُسألْ ..
عن رجالٍ تتنازلْ ،
عن كُروشٍ كالحواملْ ،
ووجوهٍ تتقيَّحْ ..
كالدماملْ ،
عن صفيقٍ كانَ بالأمسِ يُعارضْ
ويُنازلْ
كيفَ أصبحْ ..
مومِسًا بينَ المقاهي
يُسبِلُ الجَفنَ ، ويَرقُصْ ،
ويُغازلْ ..
في حكوماتِ الأراذلْ
ثم في الليلِ تراهُ يتسللْ ..
في خفاءٍ للمنازلْ
أتساءَلْ :
أيُّ شيءٍ في المُقابلْ ؟
قلْ لنا ..
أيَّ مجدٍ نِلتَ من هذا التنازُلْ ؟
***
حينَ أُسألْ ..
عن شعوبٍ قد تغنَّتْ بالنضالْ ،
والتحدي ، والتصدي ، والقتالْ
بعدَها صارتْ شعوبًا مُستباحةْ
ترتضي أن يَضربوها بالنعالْ
وتُقبِّلْ ..
جزمةَ الحُكَّامِ حتى يَركبوها
وتُغني ـ حينَ تُضربْ ـ
للنعالْ
***
حينَ أُسألْ ..
عن شعوبٍ جوَّعوها
حيثُ تبحثْ ..
في المزابلْ ..
عن رَغيفٍ تَتقي ذُلَّ السؤالْ
درَّبوها كيفَ ترقصْ ..
كالقرودْ
دائمًا فوقَ الحبالْ
غيَّبوها ،
خنَّثوها ،
لم يَعُدْ فيها رِجالْ
قَزَّموها
حينَ صارَ الشعبُ قِزمًا
كلُّ شيءٍ كانَ يُمكنْ
أصبحَ الآنَ مُحالْ
همَّشوها ،
همَّشوا كلَّ القضايا
صارتْ الدنيا ابتذالْ
فرطوا في كلِّ شيءٍ
كي يَظلوا
خرَّبوها ،
أرسلوها للدمارْ
بعدَها جاءَ القرارْ
( هذه أرضٌ حلالْ
وَرِّثُوها لجَمالْ )
***
حينَ أُسألْ ..
عن شعوبٍ قد تراختْ ،
واستراحتْ ،
وتمادتْ في السكوتْ
خشيةً من أن تموتْ
ثم ماتتْ بالسكوتْ
صِرتُ أخجلْ ..
من حكاياتٍ كثيرةٍ
لم نَعُدْ شعبًا عظيمًا ،
أو عريقًا ،
أو عقولاً مستنيرةْ
لم نعُد بَعدُ أُسُودًا
بل حَميرًا في الحظيرةْ
يا عَدُوِّي لن نَرُدَّكْ
لا تَخَفْ لا لن نَصُدَّكْ
كيفَ صِرنا
كلُّ ما نرجوهُ ودَّكْ ؟
يا بلادي حدِّثيني
مَن تُرى أُفنيهِ حتى ..
أستردَّكْ ؟