كَيْفَ اختَفَى - عبدالعزيز جويدة

في قِمَّةِ الإحباطِ والإخفاقْ
في نَشوةِ النصرِ الذي
يَسعَى على قَدمٍ وساقْ
كيفَ اختفَى بلَدٌ بِحجمِكَ يا عِراقْ ؟ !
بِقيادتِهْ..
وسِيادتِهْ ..
وبِجيشِهِ ،
وسلاحِهِ ،
وعَتادِهِ ،
ورُموزِهِ !
كيفَ اختَفَى تاريخُهُ العِملاقْ ؟
كيفَ اختفى الرَّجُلُ الذي
قد كانَ يَصرُخُ دائمًا ؟
أينَ اختفى هذا الرجُلْ ..
وعِصابتُهْ؟
كيفَ اختفى الأفَّاقْ ؟
***
يا شعبَ بغدادَ العظيمْ
لِمَ لَمْ تُقاوِمْ ..
حتى تَرَكْتَ "النَّاصِريَّة"َ ،
"أُمَّ قَصرٍ" ،
و"النَّجَفْ" ؟
كانوا مِثالاً للبطولةِ ،
والتَّصدي ،
والشَّرفْ
ضَربوا لنا مَثَلاً عظيمًا رائعًا
في كلِّ من ضحَّى شَهيدًا أو وَقَفْ
قولوا متى كانَ العِراقيُّ ..
يَخافُ ويَرتَجِفْ ؟!
لِمَ لَمْ تَثوروا ضِدَّ طاغِيَةٍ حَكَمْ ؟
أو كيفَ كُنتُمْ طائعينَ ، وخانِعينَ ،
وصاغِرينَ ، وخائفينَ مِنَ الصَّنَمْ ؟
***
يا شعبَ بغدادِ الحضارةِ
لي عِتابْ
أنا لا أُصدِّقُ أنَّ بغدادَ العريقَةَ
أصبحَتْ كالغابْ
ما هذهِ أبدًا ثَقافتُها
ما هذهِ أبدًا حضارتُها
استَسلَمَتْ للفاتِحِ الكذَّابْ
بغدادُ
يا جُرحًا سيبقَى غائرًا
هذا احتلالٌ ما لَهُ أسبابْ
قد كانَ أروعَ لو صمدْتِ كمثلَما
صمدَ الجنوبُ أمامَ كلِّ عذابْ
إن كنتِ قد قرَّرتِ أن تستسلِمي
قولي لنا
كي نفتحَ الأبوابْ
***
بغدادُ طاغٍ قد مَضَى
هل تَعلمينْ
أنَّ الطُّغاةَ وقد أتَوا أفواجْ
هُم قادمونَ وأنتِ أعلَمُ بالذي
هُم قادمونَ لأجلِهِ
لا تُخدَعي
فالماءُ مِلْحٌ كالأُجاجْ
بغدادُ
"حَجَّاجٌ" مَضَى
لنْ تَسلَمي
إنَّ الغُزاةَ جَميعَهُمْ ..
"حَجَّاجْ"
فلَكَمْ حَلُمْنا أن تَكوني المَقبرةْ
فهلِ الأُمورُ مُدَبَّرةْ ؟
أنا لا أُصدِّقُ كيفَ صِرتِ بلحظَةٍ
مُستَعمَرةْ
بغدادُ أينَ رِجالُكِ ،
وسِلاحُكِ ؟
مَن ذا الذي قد قادَ تِلكَ المسْخَرَةْ
أينَ اختفى الصَّحَّافْ ؟
أينَ الأشاوِسُ والنَّشامَى
وأبو "الكَوارِثِ" عَنترةْ ؟
***
بغدادُ ما ذَنبُ الذينَ استَبْسَلوا ..
في النَّاصِريَّةِ ..
أُمِّ قَصْرٍ ،
والنَّجَفْ ؟
شَرفُ الرُّجولةِ لا يُعادلُهُ شرَفْ
مَن ذا الذي يومًا سيأخُذُ
ثأرَ مِن قُتِلوا ..
في كلِّ بيتٍ قد نُسِفْ ؟
مِن ذا الذي يومًا سيأخُذُ
ثأرَ من أُسِروا ،
وسِيقُوا في القُيودِ مُنكَّسينْ
لِتدوسَهم قدَمُ الغُزاةِ
معَ الأسَفْ ؟
***
بغدادُ كيفَ ستسقُطينَ
أمامَ زُمْرَةِ جائعينْ؟
أينَ المُقاومَةُ العنيدَةُ في وُجوهِ الطامعينْ ؟
ليسَ الدِّفاعُ عنِ النِّظامِ
وحِفنَةٍ من زائلينْ
فهُنا الدفاعُ عنِ الوطنْ
وعنِ الشُّموخِ ،
عنِ الكرامةْ
عنْ كلِّ نَخلاتِ العراقِ
وكلِّ زهرةِ ياسَمينْ
***
لو تَمَّ غزوُكِ
بعدَ طولِ مُقاوَمةْ
كي يَعرفَ الغازي عِنادَكِ
عندما ستُقرِّرينْ
أما سقوطُكِ هكذا
فإهانةٌ
بل كانَ أكثرَ من مُهينْ
حتى وإن كانَ الذي قد كانْ
أحدَ الطغاةِ
ويَستحِقُّ القتلَ
كُنتِ قَتَلْتِهِ
لِمَ لَمْ تَثوري ،
مِنْ قيودِكِ مرَّةً
تتحرَّرينْ ؟
ما كُنتُ أرجو أن يُحرِّرَكِ الغُزاةُ
لأنَّهُ شيءٌ مُشينْ
كانَ الأحقُّ
بِشَعبِ "بابِلَ" أن يَثورَ ،
وأن يَثورَ
ولا يَلينْ