لم يحن هامته - عبدالعزيز جويدة

لم يَحنِ هامتَهُ لحبلِ المشنقةْ
والرأسُ كانتْ في السماءِ معلَّقةْ
عيناهُ ثابتتانِ .. يخطو في ثقةْ
مُتأنِّقًا للموتِ كانَ ..
ببسمةٍ متألِّقةْ
يأيها الجلادُ هذا سيدُكْ ..
أخفيتَ وجهَكَ أيها الرعديدُ خوفًا
لو صادفَتْ عيناهُ عينَكَ ..
سوفَ تَنزلُ صاعقةْ
فهناكَ فرقٌ مذهلٌ
بينَ العمالقةِ العظامِ
ومَن يُريدُ العملقةْ
سنظلُّ يا صدامُ نحنُ العاجزينْ
سنظلُّ دومًا واقفينْ ..
ما بينَ سِندانٍ ، وبينَ المِطرقةْ
الرأسُ كانتْ في السماءِ مُعلَّقةْ
كانتْ ذئابُ الصيدِ تعوي ،
والكلابُ المارقةْ
يا ليتَ مَن شنقوهُ مِن صُلبِ العراقْ
كنا نقولُ لأهلِنا :
لاحتْ لنا في الأفقِ أولُ بارقةْ
صدامُ أخطأَ ربَّما
ومن الذي في الحاكمينَ مُبرَّأٌ من كل عيبْ ؟
كم من أمورٍ في الحديثِ مُلفَّقةْ !
مَن يحكمُ الآنَ العراقْ؟
الآنَ يحكمُها الكلابُ
ويدفعونَ الآنَ شعبًا كاملاً
للمِحرقةْ
***
يا مَن حملتم في المساءِ اللافتاتْ
تتصايحونَ وتهتفونَ وترقصونَ ..
على الرفاتْ
ظلُّوا جميعًا في الشتاتْ
قد كانَ في يومٍ لكمْ ..
وطنٌ جميلٌ ، ذكرياتْ ،
حُلمٌ يُغردُ في عيونِ الماجداتْ ،
رجلٌ ليحميَكم إذا حلَّتْ بكم ..
أو بالسنينِ النائباتْ
لن ترفعوا من بعدِهِ هاماتِكم
فالحُلمُ ماتْ
والنيلُ يبكي يا فراتْ
مأساتُنا ما بعدَها مأساةْ
سلَّمتمُ الشرفَ الرفيعَ إلى الأذى
وستلطِمونَ خدودَكم .. هيهاتْ
أنتم هنا من بعدِهِ
جثثٌ على قيدِ الحياةْ
***
يا عراقَ الأمسِ واللهِ محالٌ أن تعودْ
جاءتِ الخصيانُ تحكمُ في الأسودْ
هم طراطيرُ الموالدِ عاشقو لطمِ الخدودْ
يا عراقَ المجدِ مهلاً
إن للعُهرِ حدودْ
قسَّموكَ ..
يا عراقَ المجدِ قلْ لي
بعدَها ماذا تساوي ؟
لن تساوي أيَّ شيءٍ
في الوجودْ
أين هاماتٌ تعالتْ ،
وانتصاراتٌ توالتْ ..
كبرياءً ، وصمودْ ؟
عدتَ يا عهدَ التمزقْ
لم يعُدْ سبعٌ يذودْ
كلُّنا صرنا وقودْ
والحرائقْ ..
تأكلُ الأبناءَ منا والجدودْ
آهِ يا عهدَ التخاذلْ ..
والبرودْ
***
حينَ قالوا : مستبدْ
قلتُ هاتوا من بلادِ العُربِ ضدْ
كلُّهم في الشرقِ ذاكَ المستبدْ
أو هنالِكَ مستبدٌ يستعدْ
والشعوبُ ..
كلُّها في الشرقِ موتى
في انتظارٍ للخلاصْ
والخلاصُ ..
دائمًا لم يأتِ بعدْ
يا بلادَ القهرِ قولي
ما سنفعلْ ؟
ما لنا في القهرِ بُدْ
إننا شعبٌ تهاوى
بينَ طاغٍ راحَ عنا
ثم طاغٍ يستجدْ
نشربُ الذلَّ لأنَّا
ما عرَفنا لحظةَ الحسمِ نَرُدْ
***
يا عراقْ
أينَ أشرافُ العراقْ ؟
أينَ أصحابُ العزيمةْ ؟
حينَ كانوا كانَ للأشياءِ قيمةْ
أينَ أنتَ أيا عراقُ
وأينَ بغدادُ العظيمةْ ؟
آهِ يا أرضَ الفراتْ
صارتِ الدنيا يتيمةْ
لم يعُدْ غيرُ الخرابْ
آهِ والذكرى الأليمةْ
أينَ يا أرضُ رجالُكْ
كيفَ أصبحتِ عقيمةْ
أينَ ناسٌ طيبونَ ،
وحالمونَ ورائعونْ ؟
أينَ أصحابُ الخلائقْ ،
والنفوسُ المستقيمةْ
ليسَ من أهلِ العراقْ
من يُباهي بالجريمةْ
أنتِ عشقي يا عراقْ
أنتِ في قلبي مُقيمةْ
يا بلادَ الرافدينِ
أينَ فرسانُ العراقْ
أينَ أُسْدُ الغابِ أين ؟
كيفَ صاروا بينَ بينْ ؟
واللصوصُ ..
ينهبونَ ..
في الغنيمةْ
سوفَ يأتي ألفُ فارسْ
يرفضونَ العارَ هذا ،
يثأرونَ ..
للهزيمةْ
***
ستظلُّ يا وطنَ العراقِ
مُحملاً بالإثمِ حتى تعترفْ
إني لأشعرُ بالقرفْ
سلمتَ نفسكَ للعِدى
ووقفتَ ترقصُ للمهانةِ في شغفْ
عارٌ عليكمْ
يا من جعلتم شنقَ صدامٍ شرفْ
بئسَ الشرفْ
إن الحسينَ قتلتموهْ
هل كانَ بعثيًّا ؟
هل كانَ سُنِّيًا ؟
هل كانَ شيعيًّا ؟
قولوا لنا ماذا اقترفْ ؟
تبقينَ يا أرضَ العراقِ حقيقةً
أرضَ الشقاقِ أو النفاقِ
ومستحيلٌ في الحقائقِ نختلِفْ
قل للذي قد كانَ يُطلِقُ في السماءِ الأعيرةْ
باللهِ يا ابن العاهرةْ
صدامُ يذهبُ وحدَهُ للمقبرةْ
فبأيِّ شيءٍ تفرحونْ ؟
ولأيِّ شيءٍ ترقصونْ
صدامُ منكم يا شعوبَ المسخرةْ
تتراقصونَ وأرضُكم مستعمرةْ ؟
صرتم رجالاً بعدَهُ ؟
يا ليتكم كنتم رجالاً عندَما
قلتم : نُطيعُ أوامرَهْ
الآنَ أصبح في العراقِ جبابرةْ ؟
لمَ بعدَ صدامٍ رأينا ما رأينا
كلُّ الكلابِ الآنَ تنبحُ في الفضا
وتصيحُ صيحةَ عنترةْ
مِن أينَ هذي العنترةْ ؟
الليثُ صارَ مقيدًا
هل في امتهانِهِ مفخرةْ ؟
صدامُ راحَ
وتستمرُّ المجزرةْ
يا مدعينَ رجولةً
هي ما تعدَّتْ صرخةً بالحنجرةْ
أقسمتُ باللهِ العظيمْ
لو أن صدامًا تنحنحَ مرةً في المقبرةْ
لرأيتَ أحداثَ القيامةِ
في العراقِ مُصغَّرةْ
***
ستظلُّ يا صدامُ أكبرَ من جميعِ القاتلينْ
ستظلُّ في قلبِ العراقِ
برغمِ أنفِ الحاقدينْ
هذا حذاؤكَ فوقَ رأسِ المالكي ،
والجعفريِّ ،
وزمرةِ المتنطعينْ
للمجدِ أنتَ ، وأنتَ دومًا في العلا
والكلُّ بعدَكَ صارَ أسفلَ سافلينْ
إن كنتَ في يومٍ قَتلتْ
ما كنتَ تقتُلُ غيرَ زمرةِ قاتلينْ
إن كنتَ في يومٍ سَجنتْ
يكفي بأنك كنتَ منا
والسجنُ في عشقِ الوطنْ
تاجٌ على رأسِ السجينْ
كنتَ المُحقَّ فقد رأينا ..
هذا العراقَ الآنَ أصبح غابةً
للمجرمينْ
ما بينَ أسرى في الصباحِ
وفي المساءِ مُهجَّرينْ
والحاكمينْ ..
ما بينَ أمريكانَ أو مُتأمركينْ
***
صدامُ آخرُ من تبقَّى
من خيولِ القادسيةْ
صدامُ قيسُ العاشقينَ بلا منازعْ
وتظلُّ بغدادٌ لهُ
في العشقِ ليلى العامريةْ
قد نتفقْ ،
قد نختلفْ ...
رحلَ الشهيدُ إلى السماءِ
وفي يديهِ البندقيةْ
في كلِّ زاويةٍ هنا
جثثٌ تفتشُ عن مقابرِها ولكنْ ..
القتلُ أصبح بالهُويةْ
صدامُ رحلةُ عاشقٍ
عشقَ الترابَ وذادَ عنهُ
فصارَ في يومٍ ضحيةْ
الآنَ أسدلْنا الستارَ
على فصولِ المسرحيةْ
أسدٌ يواجهُ موتَهُ في جُرأةٍ
قلٍ لي : متى كانتْ أسودُ الموتِ يا ولدي
تخافُ من الضحيةْ ؟
صدامُ يمرُقُ من بيوتِ الأعظميةْ
صدامُ يجلسُ فوقَ مئذنةِ الحسينِ مرددًا :
اللهُ أكبرُ ،
عاشتِ القدسُ الأبيةْ
صدامُ يجلسُ في الرمادي صامتًا
يقفُ الترابُ لهُ انتباهًا
كي يردَّ له التحيةْ
عدنا كثيرًا للوراءْ
والحربُ صارتْ طائفيةْ
قد دمرتنا الآنَ آلافُ العمائمِ ،
والفتاوى العنصريةْ
صدامُ يجلسُ فوقَ شطِّ النهرِ يصرُخْ :
قوموا اقتلوهمْ تُشرقِ الحريةْ
الآنَ تُغتصبُ النساءْ
جاءتْ كلابُ الصيدِ تقتلُ بالمقاصلِ
والمجازرِ...
قمَّةُ الدمويةْ
من يحكمُ الآنَ العراقْ ؟
من هؤلاءْ ؟
من أينَ جاءتْ هذه الوحشيَّةْ ؟
ليسوا العراقيينَ حتمًا إنما
زمرُ اللصوصِ اليائسينْ
أذنابُ بوشَ
وأولياءُ العنجهيةْ
صدامُ قدَّمَ للعراقِ حياتَهُ
ماذا لديكم بعدَهُ لتقدموه ؟
مِن بعدِهِ ..
صارَ العراقُ دُويلةً كرديةْ
تتبولونَ على الكراسي إن سمعتم طلقةً
وتجاهدونَ من الفنادقِ
والحصونِ المرمريةْ
يا كارهينَ الدولةَ الأمويةْ
أهلاً بكم في الدولةِ الدمويةْ
***
يا كلَّ حكامِ العروبةِ لم نرَ ..
في أيِّ عهدٍ مثلَكم حكامْ
أنتم طراطيرٌ نعمْ ،
وحثالةٌ ، وزبالةٌ معجونةٌ بسُخامْ
متواطئونَ ، وخائفونَ ، ومفلسونَ ،
ودائمًا فوقَ الكراسي
تصغُرُ الأحجامْ
صدامُ منكم ..
هو حاكمٌ من زمرةِ الحكامْ
خبزٌ وملحٌ بينكمْ
أوليسَ هذا يستحقُ مروءةً
أينَ المروءةُ يا أخي
أوليسَ هذا مبدأُ الإسلامْ ؟
إن كانَ هذا فعلُكم في بعضِكمْ ..
فالفعلُ فينا منتهى الإجرامْ
ذبحوهُ يومَ العيدِ
قد ضحَّوا بهِ
ليكونَ خيرَ رسالةٍ
لبقيةِ الأغنامْ
والذبحُ يومَ العيدِ كانَ تهكُّمًا من دينِنا
فالمسلمونَ جميعُهم بملابسِ الإحرامْ
عارٌ عليكم كلِّكم
عارٌ على كلِّ امرئٍ صلى وصامْ
ما الفرقُ فيما بينكم ؟
أنتم طغاةُ مثلُهُ
أنتم جميعًا كلُّكم صدامْ
تتبرءونَ الآنَ منهُ خسئتمو
فلهُ انحنيتم كلكم
لو كانَ يسعلُ ترجُفُ الأقدامْ
إن كانَ صدامُ استحقَّ المشنقةْ ،
وسكوتُكم هذا علاماتُ الرضا يا معشر الأقزامْ
فالحقُّ أن يُؤتى بكم للمقصلةْ
وعلى الجميعِ يُطبقُ الإعدامْ
***
يا سادتي صدامُ رمزٌ للإرادةْ
صدامُ ورطَنا جميعًا بعدَهُ
بصمودِهِ
قد نالَ ألفَ شَهادةْ
ما عدتُ أذكرُ غيرَ آخرِ لحظةِ
هي لحظةٌ ..
قد توَّجتْ أمجادَهْ
يا صامدًا علَّمتَ درسًا قاسيًا
لقنتَهُ للخانعينَ القادةْ
لو لم يكن لكَ في الحياةِ جميعِها
غيرُ الشهادةِ
لا نريدُ زيادةْ
هذا الشموخُ العبقريُّ يهُزُّنا
فنعودُ نصرخُ : رائعٌ كالعادةْ
حسدوكَ قبلَ الموتِ قلنا : حقُّهُ
والموتُ زادَكَ عزَّةً وريادةْ
يأيها الأسدُ الجسورُ سلامَنا
فلكلِّ صدرٍ ..
قد جُعِلتَ قلادةْ
قدمتَ نفسَكَ للعراقِ تقرُّبًا
قد كانَ حبُّكَ للعراقِ عبادةْ
وهناكَ حكامٌ إلينا قدَّموا ..
إرثًا يفوحُ غباوةً وبَلادةْ
يأتي وريثٌ حاقدٌ ، أو جاهلٌ
كيما يُفرِّغَ بيننا أحقادَهْ
يأيها الجلادُ تَبقى دائمًا
كلبًا يبولُ ..
على ديارِ السادةْ
هذا النُّباحُ ـ حقيقةً ـ ما هزَّنا
فالكلبُ ينبحُ لو يرى أسيادَهْ
ستظلُّ كلبًا ما حييتَ مطاردًا
وتظلُّ أمُّكَ عندنَا قوَّادةْ
في لحظةِ الإعدامِ مِتنا كلُّنا
وهناكَ أعلنَ سيدي ميلادَهْ