حَزينًا عِشْتُ يا أُمِّي - عبدالعزيز جويدة

(1)
حَزينًا عِشْتُ يا أُمِّي على الفُقراءْ
تُبَلِّلُ خُبزَها دَمعًا لِتأكُلَهُ
صَباحَ مَساءْ
حَزينًا حينَ ألمَحُهُم ْ
فلا حُلْمٌ بِأعْيُنِهِم
ولا حتَّى
بَصيصُ رَجاءْ
فَهُمْ يَأتونَ للدنيا ،
ويَمضونَ ..
بِلا أضواءْ
لِفرْطِ سُكونِهِم تَنسَى ...
تَظُنُّ بأنهم موتَى
وَهُمْ أحياءْ
(2)
حَزينًا عِشتُ يا أُمي
أرَى الفُقراءَ عُشَّاقًا
ولا يَدرونْ ..
بأنَّ الفقرَ للعُشَّاقِ مِقْصَلَةٌ
وَمَهما قَاوَموا مَهما ..
سَيَمتَثِلونْ
وبينَ جُروحِهم يَومًا
وبينَ دُموعِهِم دَومًا ..
سيغتَسِلونْ
لأنَّ الفقرَ عَلَّمَهُم
بأنَّ عُيونَهم خُلِقتْ
وَهُم يَبكونْ
(3)
حَزينًا عشتُ يا أماهُ والدنيا
"غَوَتْنا" كُلَّنا حتى ..
عَشِقناها عَنِ الأُخرَى
فكيفَ أعيشُ يا أمي
وحُبِّي كُلُّهُ زَيْفٌ
وعُمري قد غَدا كُفرًا
نُفوسُ الناسِ قد مَرِضَتْ
وداءُ الحِقدِ يُستَشْرَى
قُلوبُ الناسِ قد فَسدَتْ
وتلكَ مُصيبَةٌ كُبرَى
(4)
حَزينًا عشتُ يا أمي
لأنًّ الحبَّ تَسجِنُهُ مَصالحُنا
فإنْ كانتْ لنا إرَبٌ
تُقرِّبُنا مَطامِحُنا
ولماَّ نَنتهي مِمَّا
أرادتْهُ ..
جَوارِحُنا
على عَجَلٍ بلا خَجَلٍ
أمامَ الناسِ نُعْلنُها
ونَبدأُ في مَذابِحِنا
(5)
حزينًا عشتُ يا أمي
لأني ما نَطَقْتُ الحَقَّ في يومٍ
وقُلتُ بصوتيَ العالي :
أنا المسجونُ في فَقري ،
وفي قَهري ، وأغلالي
أنا المَكبوتُ من زَمَنٍ
ويُسْهِبُ سادَتي الحُكَّامُ
في قََمعي ..
وإذلالي
فَمَعذرةً إذا يومًا فَتحْتِ البابَ يا أمي
فلم تَجدي ـ كَعادَتِكِ ـ
وراءَ البابِ مِرسالي
فحُكَّامي هُنا قَتَلوا
جَميعَ حَمَامِيَ الزَّاجِلْ
وداسوا فَوقَ أمثالي
(6)
حزينًا عشتُ يا أمي
لأنَّ الحقَّ
أصبحَ بيننا ضائعْ
وَكُلٌ قد غّدا لِصًّا
أتانا ..
يافِعًا، يانِعْ
وأشْرَفُ أشرفِ الناسِ ..
لدينا..
طالِبٌ جائعْ
فَسيفُ الحقِّ لم يُشحَذْ
لذلكَ لم يَعُدْ قاطِعْ
وكيفَ أنامُ يا أمي
وما للصِّ من رادِعْ
(7)
حزينًا عشتُ يا أمي
ومُشتاقًا يَجيءُ زَمانْ
أُحطِّمُ فيهِ أوثاني
وأكسِرُ فيهِ قُضباني
وأهدِمُ سِجنيَ العالي على السَّجانْ
ويَومي ما أتَى بَعْدُ
ولا أدري بِأيِّ زَمانْ
يُجلْجِلُ وَقْتَها صَوتي
وصوتي كُلُّهُ حُمَمٌ من البُركانْ
أنا يا سادَتي الحُكَّامَ إنسانٌ
أنا إنسانْ