في انتِظارِ المَوت - عبدالعزيز جويدة

( إلى البطلة الفلسطينية وفاء إدريس التي فجَّرت نفسها من أجل فجر الكرامة )
***
ليلٌ وويلٌ وانكسارٌ ومَطرْ
قصفٌ وعصفٌ وانتهاكٌ وخَطرْ
وجهٌ من العَتمَاتِ آتٍ كالقمرْ
هذا الجلالُ يَمرُّ من بابٍ لبابٍ يَعتذِرْ
يَعلو الضجيجُ ونهرُ دمٍّ ينهمِرْ
قمرٌ على الأبوابِ نادى وانفجَرْ
***
يا زهرةَ الأرضِ التي
بكِ تَفتخِرْ ..
أنْ أنجبتْكِ
مرَّ المساءُ على البيوتِ
وكانَ يَبكي
غابتْ "وفاءُ" وخلفَها
ظلَّ السؤالُ بلا إجابةْ
يا كلَّ أزمنةِ التحدي ..
لكِ ألفُ عُذرٍ إن كَرِهتِ خُضوعَنا
نحنُ الخطأْ ..
نحنُ الرتابةْ
أنتِ الوحيدةُ يا "وفاءُ" على الصوابِ
وأنتِ رمزُ الكبرياءِ
وأنتِ بُركانُ المهابةْ
يا غزوةً ما كانَ أحوجَنا إليها
لِنشُمَّ رائحةَ الرسولِ
وخلفَهُ صوتُ الخيولِ
وصوتُ آلافِ الصحابةْ
***
يا "مريمُ" العذراءُ
يا وجهًا طُفوليًّا
ويا نبعَ البراءَةْ
جئنا إليكِ ..
اليومَ نَحبو للجهادِ
فعلِّمي الكلَّ القراءةْ
نجثو أمامَكِ في انبِهارٍ
ذاهلينَ من الجراءةْ
لِمَ لَمْ تَقولي يا "وفاءْ"
لِمَ لَمْ تقولي يا صبيَّةْ
كنا وقفنا في المساءِ جميعَنا
حتى نُوفِّيَكِ التحيَّةْ
أنتِ العظيمةُ ، والجميلةُ ،
والرقيقةُ ، والنديَّةْ
الموتُ "قيسُكِ" يا "وفاءُ"
وأنتِ " ليلى العامريَّةْ "
***
يا زهرةَ الأرضِ التي
خُلِقتْ لتبقى واقفةْ
أزِفتْ عليكِ الآزِفةْ
رجفتْ عليكِ الراجفةْ
ظنوا بأنكِ خائفةْ
فخرجْتِ يا فجرَ الشموخِ
خَرجتِ مثلَ العاصفةْ
لقَّنتِ درسًا للجميعِ
سحقْتِ زيفَ العجرفةْ
مرَّ الصغارُ على بقاياكِ
الصغيرةِ نازِفةْ
عرفوكِ من دمِكِ المشبَّعِ بالبطولةِ
حينَ سالَ لأرضِنا المتلهِّفةْ
عرَفوكِ من ليلٍ تمدَّدَ فوقَ عودِكِ
كالظلالِ الوارفةْ
أكملتِ رحلتَكِ النبيلةَ في خشوعْ
ونظلُّ من فرطِ الذهولِ
حياتُنا متوقِّفةْ
***
يا صمتَنا العربيَّ أفصِحْ بالحقيقةْ
رحلتْ "وفاءُ" وأصبحتْ شيخَ الطريقةْ
هي سِتُّنا
هي تاجُ رأسِ عروبتي
وهي الطريقُ إلى الوصولِ
ولا مناصْ
يا أيُّها الفرسُ الحرونُ تحيَّتي
يا رمزَ أزمنةِ القِصاصْ
هذا صهيلُكِ يا "وفاءُ"
كما الرَّصاصْ
أعداؤنا من فرطِ ما استهزَوا بنا
ظنوا بأن أُصولَنا أبراصْ
لكِ يا "وفاءُ" تحيَّتي
يا رائعةْ ..
يا يانعةْ
يا قلعةَ الإخلاصْ
عادَ المساءُ على المحطَّةِ يا "وفاءُ" كعادتِهْ
حتى يُحسَّكِ
واقفةْ
لكنْ ..
رأى القناصْ
كنتِ الوحيدةَ في انتظارِ الموتِ
كنا جميعًا في انتظارِ ( الباصْ )