وَضَحِكْتُ مِنْ هَوْلِ المُصاب - عبدالعزيز جويدة

حُكَّامُنا أكَلوا وناموا
قانِعينْ
قالُوا : القضيَّةُ ليستِ الأرضَ السليبةَ ،
أو دموعًا للثَّكالَى ،
أو بُطونَ الجائعينْ
إنَّ القضيَّةَ أن يَظَلُّوا فَوقَنا
مُتَربِّعينْ
ادعُوا مَعي :
يَبقَونَ دومًا فوقَنا مُتَربِّعينْ
"آمينْ"
(2)
قالُوا: التَّقشُّفَ
قُلتُ أهلاً بالتقشُّفِ للجميعْ
لكنَّهم ضَحِكوا علينا
أوهَمونا بالرَّبيعْ
سَكنوا القُصورَ
وأسكنونا في القُبورْ
قَتلوا الذي فينا يَثورْ
ماذا أقولْ ..
والدّمُّ في رأسي يَفورْ
وقَطائعُ الغِربانِ تَنعَقُ
بعدَ أن ماتَ النُّسورْ
(3)
وُزَراؤنا
مِن عَهدِ "مِينا"
في سِجِلاتِ السَّوابِقْ
تَجدُ المُهرِّبَ ، والمُزوِّرَ ، والمُنافِقْ
ومِنَ العجائبِ
حينَ تَختَلُّ الحقائقْ
مَنْ يَستحقُّ الشنقَ
يُشنَقُ بالمَشانِقْ
أسيادَنا رِفقًا بِنا
فالكلُّ ضائقْ
والجَوُّ مُكتَئبٌ وخانِقْ
لِمَ تَسكُبونَ الزيتَ في أعماقِنا ..
كي تُطفِئوا فينا الحرائقْ ؟
لِمَ تَقتلونَ رَجاءَنا ،
وتُصادِرونَ كَلامَنا ؟
لِمَ لو رَفضْنا أيَّ شَيءٍ
تَعلو ملايينُ البنادِقْ ؟
(4)
في كلِّ يومٍ في كِتابٍ أو جَريدَةْ
يأتي لنا بَطلٌ جديدْ
يَحكي نَوادِرَهُ العديدةْ
يَحكي لنا عن ذِكرياتِهْ
ويُذيعُ عُمقَ تَخيُّلاتِهْ
وبأنَّهُ عَرَفَ الزعيمَ
وصَدَّ وجهَ مُؤامَراتِهْ
وبأنَّهُ كانَ المُنافسَ للزَّعامةِ في حياتِهْ
وبأنَّهُ لولا الزمانُ
لكانَ أولَى بالزَّعامةْ
وبأنَّهُ رَمزُ الأمانِ ،
الطُّهْرِ ،
في أرضِ الندامةْ
فَزَمانُنا ..
نَبْشُ القبورِ الآنَ أصبحَ مِن سِماتِهْ
والكلُّ يَكتُبُ ذِكرياتِهْ
اللصُّ ،
والأفَّاقُ ,
تُجَّارُ الدَّعارةْ
كلُّ الوجوهِ الآنَ صارتْ مُستَعارةْ
هذا زمانٌ تُشتَرَى فيهِ الذِّمَمْ
برَغيفِ خُبزٍ أو سِيجارةْ
(5)
قالوا انتِخاباتٌ وحُرِّيَةُ اختِيارْ
قُلنا : وأهلاً بالقرارْ
وتَعطَّلَتْ كلُّ المَصالحِ
واتَّجهنا للمزارْ
وذَهبتُ في وَسَطِ النهارْ
كلُّ الصناديقِ التي كانتْ أمامي مُغلَقَةْ
كلُّ البِطاقاتِ انتَهَتْ ..
ومُلَفَّقَةْ
ومُعلَّقةْ ..
في الوجهِ لافِتةٌ تَقولْ :
"للمرَّةِ الأولى جُموعُ الشعبِ تَخرُجُ
في مُظاهَرةِ انتِخابْ "
وضَحِكْتُ مِن هَولِ المُصابْ
وسألتُ جُنديًّا أمامي :
أينَ الصناديقُ العِجابْ ؟
ضَحِكَ اللئيمُ بِحسرةٍ
مِن بُرجِهِ العالي أجابْ ..
والصوتُ يَعلو بالتَّهَكُّمِ والسِّبابْ :
إنْ قُلتَ : لا ...
تَعني نَعَمْ
رأيُ السيادةِ كالعَدَمْ
هيَّا انقَشِعْ
فأجبتُهُ :
( ما طارَ طَيرٌ وارتَفَعْ ... إلا كما طارَ وَقَعْ )
(6)
قالوا : القضيَّةُ مِن غَدٍ نَحوَ البِناءْ
لَمْ يُتقِنوا التعبيرَ لَمَّا عبَّروا
قد كانَ أولَى
أن يَقولوا دائمًا "نحوَ الغِناءْ"
تأتي المُناسَبةُ القريبةُ والبعيدةْ
نُلقِي ونَسمَعُ ألفَ أُغنِيَةٍ جديدةْ
تَحكي لنا وجهَ البطولاتِ العديدةْ
مِن عَهدِ "مينا"
نحنُ نَكتُبُ كلَّ ثانِيَةٍ
قَصيدةْ
عن أُمِّنا مِصرَ السعيدةْ
فإلى متى زَمْرٌ وطَبْلٌ
في الصَّباحِ وفي المَساءْ
يا رَبَّنا ..
هذي حُكومتُنا بَلاءٌ حَفَّنا
فارفَعْ بفضلِكَ غَمَّنا
كي نَستَريحَ مِنَ البلاءْ
(7)
لِمَ يا زمنْ ؟
لِمَ كلُّ هذا الاختِلالْ
كلُّ التصاريحِ ارتِجالٌ في ارتِجالْ
كلُّ الحقائقِ عِندَنا ليستْ تُقالْ
ولِذا نَعيشُ العُمرَ نَحبو
مثلَ أشجارِ الظِّلالْ
قولوا الحقيقةَ مرَّةً يا سادَتي
قولوا لَنا :
إنَّ الوصولَ إلى كّذا
شَيءٌ مُحالْ
لِمَ تُوهِمونَ بأنَّنا
مثلُ الجِبالْ ؟
لِمَ قد دَفنْتُمْ كالنعامِ
رُءُوسَكم بينَ الرمالْ ؟
قولوا الحقيقةَ مرَّةً
كي تَصنعوا مِنَّا رِجالْ
(8)
إنِّي لأعلَمُ جيِّدًا
أنَّ الضُّيوفَ تَعِسُّ في الجمعِ السعيدْ
وبأنَّني بعدَ انتِهاءِ قصيدَتي
سيُكَبِّلونَ يَدي الحديدْ
وبأنَّكم يا سامِعينَ قصيدَتي
لن تَذكُروني مِن قريبٍ أو بعيدْ
ليَموتَ نِصفُ الشعبِ ،
كلُّ الشعبِ ..
مِن أجلِ تاريخٍ جديدْ
يا أيُّها الشعبُ الذي
قد كَبَّلوهُ ..
بالتَّوَعُّدِ والوَعيدْ
هيَّا أفِقْ
وارفُضْ سَراديبَ العبيدْ
قُلْ مَرَّةً ..
قُلْ في حياتِكَ مَرَّةً ..
قُلْها وَمِتْ ..
"أنا لا أُريدْ"