رِسَالة مِنْ أُمّ - عبدالعزيز جويدة

( قد فتحوا أبواب جهنم عندما عرفنا أن أسرانا دُفنوا أحياء . ولا تعليق )
(1)
أُحاسِبُ مِنْ ؟
على مَنْ ضَيَّعُوا وَلَدي
على مَنْ قَطَّعوا كَبِدي ..
وشَقوا دَاخلي جُرحًا
كَنَهرِ النِّيلِ مَفتوحًا
إلى الأبَدِ
أُحاسِبُهُمْ على ماذا ؟
وقدْ صارَتْ خَطاياهُمْ
بلا عَدَدِ
أحاسِبُ مِنْ ؟
وقد ضاعَتْ سِنينُ الصبرِ والجَلَدِ
وفاضَ الكَيْلُ يا وطني
وضِقْنا مِنْ لَظَى الكَمَدِ
أَيَا أمي أما قُلنا :
حَرامٌ في بِلادِ القَهرِ
أنْ تَلِدي !
(2)
رَخِيصٌ لَحمُنا دَومًا
رَخيصٌ دَمُّنا المسفوحُ فَوقَ الرَّملْ
فَدُسْني أيُّها المُحْتَلْ
وشُقَّ طَريقَكَ المزعومَ
في عَظمي ،
وفي لَحمي ،
ومَزِّقْ
جِسميَ المُعتَلْ
أنا قدْ هُنتُ مِنْ زَمَنٍ على وَطَني
لماذا لا أهونُ عليكْ ؟
وأُصبِِحُ بعدَها أبدًا
مُهانًا في عُيونِ الكلْ
وبَلِّغْ سَيِّدي الحاكِمْ
تَحيَّتَنا
لِيشربَ نَخْبَ نَكبَتِنا
كُؤوسَ الذُّلْ
وعَرِّفْهُ ..
بِأنَّ جميعَ أسرانا ،
وأنَّ جَميعَ قَتْلانا ..
أيادِيهمْ مُخََضَّبَةٌ
بِحِنَّاءٍ بِلونِ الليلْ
وكمْ صَرَخوا سنينًا في دُروبِ الوَيلْ
عسَى ، ولَعَلْ
ومَولانا يَنامُ بِحِضْنِ جارِيَةٍ
يُقبِّلُ فَمَّ نَرْجيلَةْ
ويَنفُخُ في وُجوهِ الكُلْ
يُطَوِّفُ حَولَهُ ألْفٌ مِنَ العَسْكَرْ
وحينَ يَهِمُّ يَسألُهُم
عنِ القَتلَى ،
عنِ الأسرَى ،
وَهَلْ نَحنُ ..
وَصلْنا الآنَ "تَلَّ أبيبْ" ؟
يُجيبُ وَزيرُهُ المَسطولُ في شَغَفٍ :
تُريدُ الآنَ جارِيَةً ،
ورَطْلَ زَبيبْ
وتَضحَكُ كلُّ حاشِيتِهْ
ووجهُ جَميعِ قَتلانا عليهِ يُطِلْ
وزِنْدِيقٌ يُسامِرُهُ
مَساءُ الفُلِّ مَولانا ..
مَساءُ الفُلْ
(3)
أُحاسِبُ مَنْ ؟
على مَنْ ضَيَّعوا وَلَدي
مَزادُ الموتِ مَفتوحٌ
فَرِفقًا مَعشرَ التجَّارْ
وزايِدْ أيُّها السِّمسارْ
وقُلْ : ألْفًا ،
وقُلْ : مِلْيارْ
ولوْ دَفعوا كُنوزَ الأرضِ لن يَشفي
غَليلاً في دَمي كالنَّارْ
فقلبي يَنشوي حَيًّا
على جَمرٍ مِنَ التَّذْكارْ
ولو دَفعوا كُنوزَ الأرضِ
لنْ يَضحَكْ
لنا طِفلٌ
ولنْ يَرجِعْ
أبٌ حانٍ يُقَهْقِهُ في فِناءِ الدَّارْ
ولو دَفعوا كنوزَ الأرضِ لن يَنفعْ
لِيُصبِحَ بينَنا سِلْمٌ ،
وَحُسْنُ جِوارْ
أ نأْخُذُ بَعدَ هذا الغَدْرِ دِيَّاتٍ لِقَتْلانا
ونَبقَى العُمرَ هاماتٍ مُنَكَّسَةً
تُطارِدُنا سِنينُ العارْ ؟
يَدُ الغدرِ التي امتَدَّتْ لتَحْصُدَنا
نَجيءُ اليومَ في قَهرٍ ..
نُصافِحُها ،
ونَلْثُمُها
إذا صدَرَتْ أوامِرُ بَيْتِهِ الأبيضْ ،
وجاءَ قَرارْ
أنا .. لو كُلُّكُمْ قُلتُمْ :
نَعَمْ للسِّلمِ نَقْبَلُهُ ،
وللتَطبيعِ نَقبلُهُ ،
وللتَنطيعِ نقبلُهُ ،
وللتركيعِ نَقبلُهُ ...
أنا وَحدي سَأرفُضُهُ
صَعِيدِيةٌ أنا في الفَهْمِ والفِكرِ
وأومِنُ دَائمًا بِالثَّارْ
وَحَقِّ جَميعِ مَنْ قُتِلوا
كُنوزُ الأرضِ لا تَكفي .. لِظُفْرٍ طَارْ