القطب - علي محمود طه

هو ليل من الغياهب ضافي
و أديم في لجّة الثّلج طافي

و بحار إن ردتها لم تجد غيـ
ـر جليد من لجّة و ضفاف

وجبال من الثّلوج تدجّى
رائعات السّفوح و الأعراف

و صحارى لا ينتهي الرّكب فيها
عند صخر أو واحة مئناف

و طن الزّمهرير و الثّلج لا القيـ
ـظ و لا كدرة الرّمال السّوافي

و هي مغدى السّفين و الدّبّ لا مغـ
ـدى نياق الفلا، و ذئب الفياقي

عالم كلّه سكون و صمت
مترامي الحدود و الأطراف

لا ترى للنّهار و اللّيل في وا
ديه يوما من دورة و اختلاف

أو تحسّ الأرواح قصف الرّياح الـ
ـهوج فيه أو هدرة الرّجّاف

لا اصطفاق الغصون ، لا هذر الطيـ
ـر ، و لا أنّة النّمير الصافي

عريت أرضه من العشب الأ خـ
ـضر و الدّوح سابغ الألياف

قف بهذا الوادي الرّهيب و حدّق
فيه و اللّيل مؤذن بانتصاف

و انظر الشّمس في الغياهب صفرا
ء تهادى في رائع الأفواف

يغمر الكائنات منها شعاعا
مرسل من غلالة الرّوع ضافي

يحب النّاظرون في الأفق منه
حمرة الورس أو مزيج السّلاف

وهو غيب مستحب دون مرآ
ه اقتحام الرّدى و رنق الذّعاف

***

حدّثيني يا شمس منتصف اللّيـ
ـل قليس الحديث عنك بخاف!

أيّ أفق من عالم الأرض هذا
شاحب اللّون باهت الأكناف ؟

فيه من صفرة الفناء و فيه
من سوداء النّحوس لون الغداف؟

أهو القطب ؟ فتنة الأبد الخا
لي و مغدى الظّنون و الأرجاف؟!

أم هو العالو الذي جهلوه
و شأى أوجه على الكشّاف؟

أيّ سرّ للجاذبيّة فيه
بأخذ الأرض نحوه بانحراف؟

أيّ نجم في أفقه رصدوه
لمسار حول الثّرى و مطاف؟

لكأنّي به مغاور جنّ
مستسرّي الأرواح و الأطياف

لا يقيمون في ذراهنّ و اللّيـ
ـل على الكون مطبق الأسداف

فإذا أقبل النّهار تولوا
و تواروا خلال تلك الشّعاف

و أراه مجنّ كلّ خفيّ
من تهاويل ساحر عرّاف

يستمدّ الأنباء منه و يدلي
بالأحاديث و هي جدّ زياف

و بها من خفاء مهبطه الخا
في خفيّ الأخبار و الأوصاف

و هو الشّاطئ الذي حفافـ
ـيه تقرّ الأنغام بعد طواف

كلّ لحن من الملاحن مهما
أبدعته أنامل العزّاف

فإليه يصوب في سدف اللّيـ
ـل و يثوي صداه بين الحفاف

ليت شعري أيستحيل صدى في
لجّه أم يقرّ في الأصداف!

إنّ هذي يا شمس ألحان قلبي
مرسلات عن مدمعي الذّرّاف

فاشهديها تقرّ في جوفه النّا
ئي فكم فيه من حطام أثافي

***

أيّها القطب حدّث الكون هلا
تسعد الشّعر ليلة باعتراف؟

طال بالشّمس في دجاك اصفرار
لا الدّجى حائل و لا الضّوء صافي

لم تجز عن ثراك قيد ذراع
أو تنبّه جفن الصّباح الغافي

قيل حاموا على ذراك، و ألقوا
فوق فوق واديك نظرة استشراف

و أراهم في زعمهم قد أسفّوا
بك يا قطب أيّما إسفاف

تشهد الكائنات أنّك أمسيـ
ـت، و تمسي سرّ الوجود الخافي