المرأة و الفن - علي محمود طه

بليتيس: كفانا فقد جنّ هذا الفتى
و جاوز حدّ الكلام المباح

نكاد نحسّ اختلاج النّجوم
و نسمع مضطربا في الرّيح

مريض الغريزة فتّاكها
حبته الطّبيعة أمضى سلاح

سقته الشّياطين يحمومها
فمجّ الرّحيق و ذمّ الصّباح

تأثم بالفنّ حتّى غوى
و ما الفنّ بالمرأة الخاظئه

هو الدّم و اللّحم ما يشتهي
هو الخمر و المتعة الطّارئه

و كم في الرّجال سعار الوحوش
إذا لمسوا الجثّة الدّافئه

فلا تذكري فنّ هذا الفتى
بل الحيوانيّة الخاسئه

رأى جسم حواء فاشتاقه
فهاجت به النّزوة المسكره

سبي روحها فاشتهى جسمها
فثارت بعزّة مستكبره

سما جسمها و تأبّى عليه
فجرّد في وجهها خنجره

وهمّ بها فالتوى قصده
فأرسل صيحته النكره

ألم ينسم الخلد من عطرها ؟
ألم يعبد الحسن في زهرها ؟

ألم يقبس النّور من فجرها ؟
ألم يسرق الفنّ من سحرها ؟

شفت غلّة الفنّ حتّى ارتوى
و إنّ دنّس الفنّ من طهرها !

و هامت على ظمأ روحها
و كم ملأوا الكأس من خمرها !

على مذبح الحبّ من قبلها
سرج يسبّح من لألأه

منار يجوب الدّجى لمحة
فتلقى السّفين به مرفأه

يبثّ الحرارة برد الشّتاء
و يلهب شعلته المطفأه

و تمشي الحياة على نوره
و ما نوره غير أعين امرأه

خطيئتها قصّة الملهمين
و إغراؤها الفرح المفتقد

بأرواحهم يرتقون الخلود
على سلّم من متاع الجسد

ولو لم تكن لهوى فنّهم
صريع الظّلام قتيل الجمد

و ما الفنّ إلاّ سعير الحياة
و ثورتها في محيط الأبد !

لهيب إذا الرّوح مرّت به
تضاعفت الرّوح في ناره

يطيق القويّ لظى جمره
و يعشو الضّعيف بأنواره

رمت فيه حوّاء آثامها
فذابت على صمّ أحجاره

لقد قرّبت جسدا عريا
و قلبا يضنّ بأسراره