أندونيسيا - علي محمود طه

سحائب حمر ؟ أم سماء تضرّم ؟
أم الشّمس يجري فوق صفحتها الدّم ؟

على مشرق الإصباح من أندونيسيا
سيوف تغنّي أو حتوف ترنّم

و فوق رباها يزحف الموت ضاحكا
على جثث منهن يروي و يطعم

فراديس شرق ذيد عنهن أهله
و هنّ لأهل الغرب نهب مقسّم

يدار بها ماء الجماجم مثلما
يدار على الشّرب الرّحيق و يسجم

و في أراضها أو أفقها صوت محنق
كأنّ صداه الغيب ، لو يتكلّم !

تميد الصحارى و الجبال لوقعه
و تشفق أنواء ، و يفرق عيلم

و ترتدّ حتّى الشّهب عن سبحاتها
فلا ثمّ آفاق ، و لا ثمّ أنجم

و فيم تضيء الشمس أو يشرق السّنى
إذا الأرض غشّاها ضلال و مأثم

و أصبح فيها المضعفون و حظّهم
من العيش ما يقضي القويّ و يبرم

أذلاّء إن ناموا ، أرقّاء إن صحوا
يباع و يشرى فيهمو و يسوّم

يسمّون ثوّار إذا ما تجهّموا
لمغتصب ، أو من عذاب تألموا !

لأيّة غنسانية ذلك الوغى ؟
و فيم أحلّوه لقوم و حرّموا ؟

رويدا بناة الكون ، ما تلك ثورة
عل الحقّ ، بل روح على الجور ينقم

و ما عي إلا منكمو رجع صيحة
على الأمس كانت كالمزامير تنغم

هو الشّرق ثارت روحه فهو لجّة
من النّار تذكيها رياح تهزّم

ينادي بعهد بين يوم و ليلة
أضيع ، و حقّ يستباح و يهضم

و حرّية موءودة ، طال شوقها
إلى النّور ، يطويها ظلام مخيّم

مكبّلة الكفّين ، مغلولة الخطى
تداس ، و يؤبى أن يبوح لها فم!

***

سلاما ، سلاما ، سيّد السّلم و الوغى
جلالك موفور ، و عهدك مكرم

و يعنو إليك الجنّ و الإنس طاعة
كأنّك فيهم سليمان تحكم

و بين يديك الأرض تلقي زمامها
و في راحتيك السّبعة الخضر تسلم

و لم تبق في الكون السّحيق رحابة
لغيرك ، أو يبعد به عنك مغنم

فما لك بالأسطول و الجيش واثبا
على أمّة عزلاء بالسّلم تحلم ؟

و تنقض مثل النسر فوق سمائها
بأجنحة تغزو النّجوم و تزحم

ألاقيت في أجوائها غير طيرها
على نسمات في الغصون تهينم ؟

و أبصرت إلاّ أمة محمد
تنازعها المكياد غصبا و ولهم

ملايين ممن كرّم الله خلقهم
يراد بهم أن يمسخوا أو يحطّموا !

أنل هذه الدنيا رضاك ، و حسبنا
من الدّهر هذا البارق المتبسّم

سراب من الأوهام نسقى بلمعه
وطيف برؤياه نسرّ و ننعم

و دعنا بمعسول المنى و وعودها
تذق من نعيم العيش ما نتوهّم

و نبدع لهذا الكون في الوهم صورة
تمثّل منه بعض ما كنت تزعم !

فإنّا شعوب من سلالة آدم
لنا في مراقي العلم و الفن سلّم

لنا خطرة تهوي الخيال، و نظرة
طموح ، و قلب بالمحاسن مغرم

على أنّنا نبني على الحقّ و الهدى
مآثر لا تبلي و لا تتهدّم

و نرعى مواثيق الوفاء ، كما رعت
أوائلنا ، لسنا على البذل نندم !

من الصين حتّى ساحل الغرب عالم
به المسلمون الأولون تقدّموا

بنوه حضارات ضخاما ، و لم يزل
له أثر في الكون أسمى ة أضخم

نظام من الشّورى و عهد الرّضى
اياديه شتّى ، حسينات و أنعم

سل العام إن أوفى عليك هلاله
ففي ضوئه للحقّ هدي ز معلم

لعلّك إن يمسسك من نوره سنى
يلن منك قلب الحديد ملثّم

و ينبئك أنّا لا نطيق على الأذى
مقاما ، و أنّا أمة ليس تظلم

على الحقّ نجزي من جزانا بحقّنا ،
فإن لم يكن ... فالشّر بالشّر يحسم !