الأرض والإنسان - فاروق جويدة

عانقت بين جفونك الأزهارا
ورأيت ليل العمر فيك نهارا
ولطالما سلك الفؤاد مدائنا
وبقيت وحدك قبلة ومزارا
كم لاحت الأيام بعدك ظلمة
فرأيت أطياف المنى أسوارا
وظللت أسكب من رحيقك أدمعي
حتى غدت بعد النوى أنهارا
يا نيل ماؤك للوجود هداية
عاشت على درب السنين منارا
ما كان حبك في دمائي رغبة
محمومة ما جئته مختارا
قدر هواك وقد بقيت بسره
إن ضقت يوما لا أطيق فرارا
* * *
يا نيل فيك من الحياة خلودها
كل الورى يفنى وأنت الباقي
في ظل ثغرك كم تبسم عمرنا
وبقيت دوما واحة العشاق
وعلى ضفافك أمنيات عذبة
وبريق عمر لاح في الأعماق
همنا عليك وفي الجوارح خمرة
عصفت بها يوما شراع الساقي
وعلى جبينك داعبتنا أنجم
حتى أفاق العمر بالإشراق
وتنسمت خفقاتنا عهد اللقا
من راحتيك بلهفة المشتاق
* * *
وسمعت صوتك ذات يوم يشتكي
ودنوت منك تهزني أحزاني
وتلعثمت شفتاك في صمت اللقا
حتى تلاقى الماء بالشطآن
وسألتني كيف الحياة نعيشها؟
فأجبت: صار العمر طيف أماني
عشنا على أمل صغير مشرق
صلبوه من زمن على الجدران
الأرض تأكلها الهموم فأقسمت
ألا يعود الزهر للأغصان
صلبوا الربيع على المشانق فانزوت
أطياره وهوت مع الحرمان
* * *
ورأيت دمع النيل يجري في أسى
ودنا إلي وقال: أنت الجاني
علمتكم أن الحياة وديعة
فالحق عمر و الظلال ثواني
والناس ترحل كل يوم.. إنما
سيظل كل الخلد للأوطان