وقالَ البَحْر - محمد أبو العلا

قَصَدتُ البَحْرَ كى أشكو
وفى الأحشاءِ أحزانى
فَمَدَّ ردائَهُ الرَّملىَ
قال : اجلِسْ
وحيَّانى
وقال : اقصُصْ ..
ولا تَخْجَلْ
فقَدْ أَصْغَيْتُ آذانى
فقُلْتُ له : تَباعَدْنا
وطولُ البُعْدِ آذانى
تَحَيَّرَ فى الهوى قلبى
وبالآهاتِ واسانى
فقَدْ كُنَّا .. وقَدْ كُنَّا
وكانَ الحُبُّ عُنْوانى
وكانَ الكونُ يَعْرِفُنا
فَلَمْ يَكُ فى الهوى ثانِ
إذا ما عَزَّ واحِدُنا
تَنَادى باسمِهِ الثانى
بدَمْعٍ مِنْكَ مَوْرِدُهُ
له كالبَحْرِ شُطْآنِ
بآهٍ توقِظُ الذِّكرى
فيعلو صَوْت تَحْنانى
لها بالقلبِ لوعتها
وحُرْقتها بأجْفانى
إذا ما الدَّمْعُ ناشَدَها
وذاكَ الشَّوْقُ نادانى
تَألَّمَ فى الدُّجى قلبى
وأوْقَدَ فِىَّ نيرانى
فقلتُ له انسَ يا قلبى
وقَدْ ضاعَفْتُ أيْمانى
على أنْ أنْسَ مَنْ يَنْسى
وأَذْكُرُ كُنْهُ جافانى
مِنَ المعقولِ أنْ تَنْسى ؟!
ألَيْسَ القلبُ يَهْوانى ؟!
جريحٌ أنتَ يا قلبى
وقلبُ حبيبكَ الجانى
ظَلَمْتُكَ حين رؤيتها
وذاكَ الحُسْنُ أغْوانى
فَكُف الحُزْنَ يا طَلَلِى
فَكَمْ هَمٍ تَغَشَّانى
وكَمْ غَيْمٍ عَلا قَلْبى
ومَخْطوطٌ بِجُدْرانى
وحينَ الهَمُّ أنحَلَنى
وذاكَ الوَجْدُ أعيانى
قصدتُكَ أنتَ تَنْصَحُنى
فقَدْ فارقْتُ نُدماني
فقال البحرُ : يا ولدى
حماكَ اللهُ وحماني
عجيبٌ أنتَ يا ولدى
وأنتَ الهادمُ الباني
أنا فى العشقِ مدرسةٌ
وجُرْحُ العِشْقِ أَدْمَانى
أنا أحببتُ قبلَ الحُبِّ
مُذْ أن عِشْتُ أزمانى
لَكَم جَرَّبتُ يا ولدى
وكَمْ قَطَّعتُ شُرْيانى
فَسَلْ حواءَ يا ولدى
أهَلْ حواءُ تَنسانى ؟
أنا مَنْ صِرْتُ أُغنيةً
وصَوْتُ الحُبِّ نادانى
ومَنْ سافَرْتُ مُغْتَرِباً
وضَوْءُ البَدْرِ يَرْعانى
عَشِقتُ البدرَ فى صِغَرى
وحبى البدرَ أعيانى
فكان البدرُ أُغنيتى
وضوءُ البدرِ أوطانى
إذا فى الفجر فارقنى
نسيمُ الصبحِ أبكانى
أُعانق صورةَ المحبوبِ
كى تحويهِ شُطآنى
فيعلو المَدُّ يحضُنُهُ
ويأبَى الجَزْرُ نسيانى
فكيف تكونُ يا ولدى
إذا جَرَّبتَ نيرانى ؟!
فليت الله يرحمنا
فنار العشقِ نارانِ
فنارٌ عندَ رؤيتها
ونارٌ عند فقدانِ
فكُن ما عِشْتَ ذا جَلَدٍ
على محبوبكَ الجانى
فسوف يعودُ ثانيةً
ويستجديكَ ويعانى
وبعدَ الفَجْرِ ودَّعنى
وبالمحبوبِ أوصانى
فعُدتُ لها كظمآنٍ
وعادَتْ بينَ أحضانى
وفاضَ العِشْقُ فى كَأسى
كأنَّ البحرَ أظمانى
وصارَ الحُبُّ أغنيتى
وصار الحبُّ عنوانى ..