عندما قُتِلَ القَمَرْ - محمد أبو العلا

العُمْرُ يَهرُبُ والدقائقُ تَنْتَحِرْ
يمضى بنا رَكْبُ الزَّمانِ يَشُدّنا
وتَحُثُّنا أقدامنا
نحو الطريقِ المُندَثِرْ
أحلامُنا شَبَحٌ مُخيفٌ هاربٌ
وَسْطَ الظلامِ وقابِعٌ خَلْفَ الشَّجَرْ
والحُبّ مذعورٌ على الطرقاتِ
هلَّلَ صارخاً
مَنْ يُنْقِذ العُشَّاقَ مِن أيدى القَدَرْ
مَنْ يمنح العُشَّاقَ صَدْراً
دافِئاً
مَنْ يمنع العُمْرَ الجميلَ من السَّفَرْ
مَنْ يمنح الأزهارَ عِطْراً
دافِقاً
ويُُشيعُ فى أوصالِها
لَوْنَ الحياةِ المُنْتَصِرْ
مَنْ يُقْرِض العُصْفورَ عُشَّاً هادِئاً
ويُكَبِّل اللحنَ الحزينَ
على جناحات الوتَرْ
تلكَ المدينةُ قَدْ مللتُ دروبَها
ومللتُ فى جَنَباتِها
شبحَ الفراقِِ المُنتَظَرْ
تلكَ المدينةُ سَفَّهتْ أحلامَنا
فَتَكَتْ بنا
جَعَلَت بقايانا طعاماً
للكلابِ
ولَطَّخَت بدمائِنا وَجْهَ القمَرْ
فالحبُّ فى مِحرابِها
طِفْلٌ لَقيطٌ .. عابَهُ كلُّ البَشَرْ
مَنَعوا بنوَّتَهُ .. أبَواْ إطعامَهُ
تركوه يطعمُ مِنْ ثَرَى الأرضِ القَذِرْ
سَبّوا أباهُ وعيَّروهُ بأمِّهِ
تركوه وانصرفوا ..
رموهُ ليَحْتَضِرْ
والحُبُّ فى محرابِها.. ذنبٌ لعينٌ
ما لَهُ أن يُغْتَفَرْ
وجهٌ عبوسٌ شاحِبٌ
فى ظُلْمَةِ الليلِ العَسِرْ
والحبُّ فى مِحْرابها
شيخٌ عجوزٌ قَد تَدَرَكَهُ الكِبَرْ
عارٌ عليهِ إذا أَحَبَّ الفجرَ
أو عَشِقَ السَّهَرْ
عارٌ عليهِ إذا تَأمَّلَ فى المَرايا
أو تَزضيَّنَ للصَّبايا
أو هَوى ضوءَ القَمَرْ
عارٌ عليه إذا دَعَتهُ الذِّكريات
أو طوتهُ الأمنيات
أو إذا استجدى العُمُرْ
العمرُ يَهْرُبُ والدقائِقُ تَنْتَحِرْ
***
العمرُ يَهْرُبُ والدقائِقُ تَنْتَحِرْ
وأنا أُغافِلُ كُلَّ مَنْ بمدينتى
وأزورُ طَيْفَ حبيبَتى
وَقْتَ السَّحَرْ
أتَلَحَّفُ الليلَ البَهيمَ وأخْتَفِى
خَلْفَ الضَّبابِ
وأقتَفيكِ
تَمُرُّ فى عَيْنىَّ أشباحُ الصوَرْ
يهفو لعينى أن أراكِ
ولا أرى
إلا النجومَ تجاذَبَتْ أثوابَها
أخَذَتْ تضيعُ
تدقّ أبواقَ السَّفَرْ
وكتائبُ اللوامِ تزحفُ نحونا
تغزو الدروبَ ومِلْ أعينها الشَّرَرْ
هُمْ مُدرِكونا حيثُ قد ظفروا بنا
هُم قاتِلونا يا حبيبةُ لا مَفَرّ
أنا يا حبيبةُ لم أَكُنْ لأبيعَكِ
هم قاتَلونا ... قَتَّلونا
موكبُ الظلم انتصرْ
العمر يهرب والدقائقُ تنهمِرْ
وأنا سأبقى للنهايةِ عاشِقاً
رغمَ ارتفاع الموجِ
رَغمَ الخوفِ
رغمَ مدينتى
رَغمَ الدَّمِ المسفوح من صَدْر القمَرْ