عُذْراً سيدتي - محمد أبو العلا

مقدمة :
فى هذا الزمن المغرورْ
تتهاوى كل جبال العِشقْ
تتساقطُ كُلُّ خيوط الشمسْ
تنتحرُ جميعُ الأقمارْ
يقتُلُنا اليأسْ !!
تتلاشى صورةُ ذاكَ الفجر المُشْرِقْ
لتُطلَّ علينا صورةُ وَحْشٍ كاسِرْ
مِنْ خَلْف ستار الليلْ
عذراً سيدتى
هذا زمنٌ لا يعرفُ معنى العشقْ
لا يعرفُ معنى الصدقْ
لا يعرفُ معنى الأشواقْ
يَهْزَأُ بالعِشقِ .. وبالعُشَّاقْ
زمنٌ يستهزىءُ بالإنسان ْ
بل يرمى كلَّ معانى الحُبّ الوردية
خلفَ القُضبانْ
زمنٌ يصلُبُ فينا الصِّدقَ
يُعلِّمُنا النسيانْ
وأنا معذِرَةً سيدتى
لا أعرفُ معنى اللَّف .. أو الدورانْ
بداية :
أنا يا سيدتى ما جرَّبتُ اللَّفَ أو الدورانْ
فلقد حادثتُكِ سيدتى
عن قلبي .. وطن الأحزانْ
عن حبى .. وترُ الأشجانْ
عن شىءٍ فاقَ أحاسيسى
وتَخَطَّى لغةَ الإنسانْ
فأنا
علَّمتُ الطيرَ بأن يشدو
فوقَ الأغصانْ
وتغَنَّى باسمكِ سيدتى
فى لَيْلِى
صوتُ الكروانْ
أنا ضوءُ البدرِ أناشيدى
نغماتُ الناىِ تغاريدى
ودموعِىَ
زهْرُ النَيْسانْ
أنا طيرٌ سافَرَ مُغْتَرِباً
أنا مَوْجٌ بينَ الشُطْآنْ
ما زلتُ أُلَمْلِمُ أشواقى
وأُحاربُ شبحاً طارَدَنى
في كلِ مكانْ
شبحاً ما زال يطاردُنى
ينتزُعُ البسمةَ مِنْ عينى
كى يُسْكِنَ دمعى الأجفانْ
يوهمُنى أنّى أَفقِدُكِ
أنى قد عُدتُ بلا روحٍ
أنكِ ما عُدتِ الأوطانْ
أنكِ ما عُدتِ تُحبينى ..
تاهتْ خطواتُكِ عن دربى ..
أنى ما عُدتُ العنوانْ
عفواً أيتها القدّيسة
ما لو خانتنى الكلماتْ
فأنا ما كنتُ لأتجَمَّلْ
ما كنتُ لأنثُرَ أحلامي فوقَ الشُرُفاتْ
ما كنتُ أُجيدُ العزْفَ
على هذى الأوتارْ
ما كنتُ أحارِبُ أيامى
ما كنتُ لأتَحَدَّى الأقدارْ
ما كنتُ لأحيا فى زمنٍ ...
تتشابهُ فيه البصَماتْ !!
عفواً أيتها القدّيسة
لمْ أقصُدُ قلبَكِ بالذاتْ
فأنا ما زال يزلزلُنى صوتُ الناياتْ
ما زلتُ أبيعُ زهورَ الحبِ
على الطرقاتْ
وأفتِّشُ دوماً عن قلبى
ما بينَ عيونِ الفتياتْ
تتبعثَرُ منى أحلامى
تتقربُ منى آلامى
تتشابه عندى الخطواتْ
وأشاهدُ فى عينيكِ ملامح
تسكنها الآهاتْ
قد أهربُ منكِ..
أناديكِ
قد أدنو منكِ .. وأبكيكِ
تتزاحمُ فى قلبى العبراتْ
أتلاشى حيناً فى عينيكْ
أتوحدُ حيناً فى شفتيكْ
وأخِرُّ شهيدَ الوجناتْ
مقدورى أن أبقى أعمى
فى دنيا يسكنها النورْ
أحلُمُ أحلاماً وردية
يُسكِرُنى صوتُ العصفورْ
أو أسعى خلفَ علاءَ الدينْ
أجِدُ المصباحَ المسحورْ
فألوِّنُ رملَ الصحراءْ
أو أبنى قصراً فوقَ الماءْ
وأفُكُّ قيودَ المأسورْ
مقدورِىَ أن أصبحَ عبداً ..
لِهوى أحلامٍ تُفزِعُنى
لِهوى أحزانٍ تؤلِمُنى ...
لفؤادٍ همَجِىٍ مَخْمورْ