أحلام الغرقى - محمد سيد عمار

الصمت ووجه الدور الشاحب
والأشجار المنتصبات بباب القرية كالأشباحْ
والأفق الحائر في خوفٍ
ما بين العتمة والنورْ
والنهر الثائر عند حدود القرية يحمل بين يديه
قلوعاً صنعت من أفئدة الموهومين
بما لم يظهر خلف النهرْ
وقف الطفل يداعب رمل الشاطئ ينظر
نحو الشط الآخرْ
يتمنى أن يأتي يوماً يبحرُ نحو الشط الآخرْ
ما زالت تسكنه الرغبة أن يركب أجنحة
النورس ويحلق في كل فضاءْ
ما زال يحاول أن يعرف ماذا يخفي الشط الآخرْ
فالشمس تلم ضفائرها خلف نخيل الشط الآخرْ
والنورس يحكم مملكةً للطير على الشط الآخرْ
وإذا جن الليل عليهْ
يرفع عينيه لسطح الدارْ
يتسلق سلمه الخشبي ، وينظر عبر مياه النهرْ
يرقبُ أضواءً تتلألأ في جوف الليلْ
أضواءً لا يشعلها الزيتْ
لا تطفئها الريح ولا الأمطارْ
أضواءً تدعوه ليعبر ويحطم جدران الخوف
لكن حكايات النسوِة عن ذاك العملاق الرابض
في قاع النهر الصخري
تسجنه بأقبية الرهبة
تطفئ في عينيه الرغبة
تصنع سجناً من أضلعه
من كفي الأم الثكلى
حين تخاف عليه فتصنع من نهديها ألف وسادة
المجهول سيصبح وحشاً ، ما دامت أجنحة النورس
لا تقدر أن تحمل طفلاً
ذات مساءْ
رحل الطفلْ
ركب بساط الريح وسافرْ
قال العراف : طواه الموجْ
انضم لقافلة الموتى
وتظل القرية هامدةً يأكلها الخوفْ
يطويها الصمتْ
والدور يدور عليها
الموت .