انتحار التداعي - محمد قرنه

إلى محمود درويش
"قل للغياب نقصْتَني،،
وأنا حضرتُ لأكملكْ"
هَلْ جِئْتَ في الزَّمَنِ الخَطَأْ
هَلْ أَثْمَرَتْ خطواتُ "ريتا"
وَهْيَ تزرع بُنْدُقِيَّتَها القديمةَ فَوْقَ قَلْبِكَ
تغرس الإيقاعَ في وَلَدٍ شَهِيِّ القَوْلِ
تُخْبِرُهُ عَنِ الضوْضاءِ في أرض القتالِ
عَنِ السُّكُونِ إلى الحَبِيبِ مع المساءِ
مع الظَّمَأْ
هَلْ أَزْعَجَ القَلْبَ المَرِيضَ صَرِيرُ نَبْضِ قَصِيدَةٍ
أمْ أَزْعَجَ المَوْتَ اكْتِمَالُ الشِّعْرِ
فاسْتَبَقَ الصَّدَأْ
جِئْنَا نُفَتِّشُ في الحَقِيبَةِ عَنْ رُؤًى
ونُحَوِّلُ الأقلامَ خَيْلاً في سِبَاقِ الشِّعْرِ
لَمْ نَعْرِفْ خُطُوطَ نِهَايَةٍ للفَوْزِ
أغرانا التَّدَفُّقُ في الكِتَابَةِ
والخَيَالُ / الهُدْهُدُ المَسْحُورُ
يُوصِلُنَا سَبَأْ
ونَرَاكَ في جَنَبَاتِ قَاعَاتِ الضِّيَافَةِ
تَحْتَسِي "بِلْقِيسَ"
تُخْبِرُهَا عَنِ الوَطَنِ المُقَاوِمِ
ثُمَّ تَهْوِي لا تُقَاوِمُ حُبَّهَا
وتَغِيبُ في دَوَّامَةِ اللذَّاتِ
في الحَرْفِ الأخِيرِ المُبْتَدَأْ
هَلْ أَنْتَ تَكْتِبُ هَذِهِ الأَوْقَات قِطْعَتَكَ الأخيرَةَ
في هُدُوءِ المَوْتِ
تَحْكِي عَنْ عُبُورِكَ مِنْ بَيَاضِ الثلج عَبْرَ نُعُومَةِ الثُّعْبَانِ
تَشْتَعِلُ انْدِهَاشًا
ثُمَّ تَهْرَعُ للقَصِيدَةِ كَيْ تَبُوحَ
تَرُشَّ عَالَمَكَ الغَرِيبَ الطَّبْعِ
في وَجْهِ المَلأْ
مَازِلْتَ تَمْلِكُ في يَدَيْكَ النَّرْدَ
تَمْلِكُ حَقَّ أَنْ تَرْمِيهِ أَوْ تُخْفِيهِ
أَنْ تَرْعَاهُ أَوْ تَنْسَاهُ
تَمْلِكُ أَنْ تقولَ الشِّعْرَ
حَتَّى بَعْدما أصْبَحْتَ للدُّودْ الكَلأْ
هَذَا هُوَ اسْمُكَ أَيُّهَا الدَّرْوِيشُ..
هَلْ صَادَفْتَ نَفْسَ المرأة المَجهولة القَسَمَاتِ
هَلْ بَاعَتْكَ في دُورِ المَدِينَةِ
بَعْدَ رَفْعِ السِّعْرِ بَعْدَ المَوْتِ
هَلْ أَشْعَلْتَ مِصْبَاحَ القَصِيدَةِ فَوْقَ قَبْرِ الشِّعْرِ
فاحْتَرَقَ القَصِيدَ وَمَا انْطَفَأْ
هَذَا هُوَ اسْمُكَ أَيُّهَا الدَّرْوِيشُ
عَلِّمْهُ التَّصَالُحَ في غَيَابِ تَوَاجُدِ الأَشْيَاءِ
عَلِّمْهُ التَّرَفُّعَ عَنْ بَرِيقِ إِمَارَةِ الشُّعَرَاءِ
عَلِّمْهُ الحَقِيقَةَ
رَيْثَمَا تَلِجُ الإجَابَةَ
تَسْتَبِينُ مَدَى النَّبَأْ
هَذَا هُوَ اسْمُكَ أَيُّهَا الدَّرْوِيشُ
فَوْقَ العَيْنِ يُلْقِي حُزْنَهُ ويَنَامُ
يَتَّخِذُ العُقُولَ مَقَاعِدًا للسَّمْعِ
يَحْتَجِزُ الشِفَاهَ كعَاشِقِيهِ
وفي القُلُوبِ المُتَّكَأْ
هَذَا هُوَ اسْمُكَ يا رَفِيقَ الحَرْفِ
يا وَجَعَ القَرَاءَةِ
كُنْ لَهُ سَنَدًا ولا تَتَخَلَّ عَنْهُ
ودَائِمًا لا تَعْتَذِرْ عَمَّا فَعَلْتْ
الآنَ في المَنْفَى ستَغْمُرُكَ القَصِيدَةُ بالخَيَالِ العَبْقَرِيَّ
تَرَى السَّمَاءَ قَرِيبَةً جِدًّا بجَوْفِ الأَرْضِ
يُغْرِيكَ الوُجُودِيُّونَ باسْتِنْزَافِ كُلَّ هُنَيْهَةٍ في المَوْتِ
تَصْنَعُ مِنْ ثَرَاهُمْ غُرْفَةً للشِّعْرِ
تُعْلِنُهَا مَلاذًا للقَصِيدِ إذا لَجَأْ
ويَظَلُّ شِعْرُكَ في المَقَاهِي
في الجَرَائِدِ
في فَضَاءِ النِّتِّ
يَحْفَظُهُ الأطِبَّاءُ
الصَّحَافِيُّونَ
والشُّعَرَاءُ
والمَوْتَى الجُنُودْ
هَذَا هُوَ اسْمُكَ أَيُّهَا الدَّرْوِيشُ
عَلِّمْهُ الخُلُودْ
رَحَلَتْ خُطَاكَ عَنِ الحَيَاةِ
وَمَا انْطَفَأْتَ
وَمَا انْطَفَأْ
فلِأَيْنَ يُوصِلُكَ الكَلامُ مَتَى اخْتَبَأْ
يا غَارِقَاً في البَوْحِ
تَعْرِفُ..
رُبَّمَا قَدْ فَاجَأَتْكَ قَصِيدَةٌ مَلْسَاءُ عِنْدَ المَوْتِ
حَاوَلْتَ الكِتَابَةَ
ثُمَّ خَانَتْكَ القَصِيدَةُ
فانْتَحَرْتْ
أَخْطَأْتَ يا دُرْوِيشُ بالمَوْتِ الخَطَأْ .