الولادة عند انتهاء المكان - محمد قرنه

عندما تُولَدُ اليومَ فكِّرْ بأنَّ القيامةَ
قابَ اختراقِكَ ذاكرةِ الناسِ
والموتَ أعمى..
غدًا سوف تستنشق البرتقالَ على مَهَلٍ
تتمشَّى على ساحلٍ من كلامكَ
في الليل تجلس ترقب عشاقَ مَنْ سجدوا للغاتِ
وتبتدر الأغنياتِ بأيِّ انسجامٍ مع الكوْنِ
تنسى القيامةَ حين تغوصُ على ساحل الأبيض المتوسطِ
والرملُ يهمسُ بالسرِّ عن قادةٍ فاتحينَ
وعن سفن النازحينَ
وعن رعشة الحبِّ في جسد العاشقين المَدِينين للرملِ
عن سطوة الماء إمَّا أراد النزول إلى الأرض
عن بُعْدِ حُلْمِي ..
وللآدميِّ اختيارُ الوسيلةِ
والطرقِ الموصلهْ
تتنفَّسُ فيكَ المواعيدُ
للحُلْمِ موعدُهُ..
مثلما لانهيار الطريق إلى الحُلْمِ !
للحزن موعدُهُ..
عادةً يسبق الحزنُ كلَّ المواعيدِ
للحبِّ موعدُهُ
عندما تجد الحبَّ تنسجم الكائناتُ الخفيَّةُ
لوْ لثوانٍ
تَزُفُّ ابتسامكَ للرمل والبحر والنخل
تشعر أن الحياةَ حقيقيَّةٌ مثلما الموتِ
والموتُ آخرُ من يعد الآدميَّ على الأرض
من يحسم المسألهْ
في الطريق إلى البحر يبتسم الوقتُ
يلبس قُبَّعَةً وثيابًا حريريَّةً
ويرشُّ العطورَ على الكائنات المحيطة
يشعل سيجارَهُ اللانهائيَّ
ثم يدندن لحنًا شجيًّا عن الحبِّ
يسعل في لذَّةٍ مرَّةً
مرَّتيْنِ..
يقهقه ملءَ الدُّخَان
ويطلب شايًا وتفاحةً ومناديلَ
ثم يصرُّ على أن يقوم بدفع الحساب
يُخَرِّبُ ساعتَهُ
كيْ تدورَ العقاربُ في عكس توقيتها
ويسافر جَنْبِي
يبادرني عند بدء الطريق
بفاتحة البسملهْ
يرث الناسُ أقدارَهم دون رأيٍ
وتدفعهم فطرةٌ ما ليستوطنوا
الحب أو ينتموا للحروف الذكية
تدخلهم في متاهتها الدائرية
تشعلهم بالخيال الحزين وباللغة الجاهلية
يبقى الغيابُ هو القَدَرُ الصعب
بُعْدُ الحبيبةِ
والقَدَرَ المُرَّ تبقى القصيدةُ
ما اخترتُها
بل أتتني طواعيةً أو كراهيةً كانَ
من جهة العائلهْ
ليس حقدًا على الناس كُنَّا نَخُطُّ التهاويمَ
حتى نعرِّيَهم، كانتِ الأرضُ ضيِّقةً
والهزيعُ الأخيرُ من الشِّعْرِ ملتبسًا
بالشعور تجاه الحداثيِّ والمعجميِّ
ومن يخلط القولَ والأعجميِّ
ومن يمسك الشِّعْرَ من شَعْرِهِ ويجرِّبُهُ
في نواحي الحوائط كيْ يستقيمَ
ولم تكنِ المعطياتُ البسيطةُ معروفةً
حين جئنا نردِّدُ نفسَ الحكايات
في الفتنةِ الأبديَّةِ للحرف
نستنزف الأخيلهْ
عندما تخلع الملصقاتِ القديمةَ من جُدُرِ العقل..
تَلْحَظُ ملمسها قد تغيَّرَ
تُدْرِكُ آثارها في الجدار وإن غادرتْهُ
تفاجئكَ اللمعةُ الأوليَّةُ للذهن بعد الإزالةِ
حين تكون على حافة المعطيات الجديدة..
كن واثقًا من هشاشتها رغم قوِّتها
وتشبُّثِها في الجدار بشكلٍ غريبٍ
وكن واثقًا أنها ستدافع ملء البنادق
عن حقِّها في الوجود الطبيعيِّ
لن تتساقط قبل اقترابكَ منها
- كما يحدث الآن للملصقاتِ -
ولن تَهِبَ العقلَ درعًا جديدًا
ليحملَهُ خالدُ بن الوليدِ
أمينًا على الجيش ينتظر الأمر
كيْ تعزلهْ !
فيعود إلى ساحة الجند بعد الولاية
والحرب تُتْرَى
سريعًا سيستبق الجانبانِ السلاح
فحدِّدْ فريقك وانصرْهُ
أو مُتْ عزيزًا على شاطئ البحر
تُرديكَ أفكارُكَ الناقماتُ
وتُهديك منفًى
وأنت – الحياديَّ - تختار ميتتكَ العادلهْ
كنْ كما أنتَ
أنشودةً لا تحبُّ الشفاهَ
السماءُ ستمطر عمَّا قليلٍ من الشِّعْرِ
وردًا بديلاً
ورائحةُ الورد سوف تعمُّ الجهاتِ
وتبتكر الوعدَ
كُنْ نرجسيًّا
لكي تتقنَ اللذَّةَ الهمجيَّةَ للشِّعْرِ
واسكبْ على شاطئ الأطلسيِّ
ابتهالاتِ عشقكَ
وحدكَ تشتعل الآن في الموج
أفكارُكَ النازحاتُ إلى البرِّ
لم يمهلوك ليستوطنوا الحرْفَ
أفكارُكَ انكسرتْ
في الطريق إلى الحفلة العائليَّةِ
حيث تصدُّ المعازيم بالبسمة المسرحيَّةِ
لن يقفَ الرملُ مستعظمًا – مثلما تتخيَّلُ –
ما قلتَ
كلُّ الحكايةِ
أنَّكَ حين تغادر موقعكَ الساحليَّ
ويسقط وجهُكَ في الرمل فَكِّرْ
بأنَّ القيامةَ قاب اختراقكَ ذاكرةِ الناس
والموتَ .. أعمى