تتهجاني الحلوة - محمود أمين

...
حين وُلِد..
جاءوا لأبيه الجالس فى صحن المسجد
- أبشر..جاء الولد..أخٌ لبناتك ..سند الظهر..ووارث مسبحتك..وعصاك ..وتنهيدة قلبك
: هذا القادم من عدمٍ..والذاهب فى عدمٍ..ليكن محمود
..من لحظتها...صار الرجل أبا محمود
أكتسب الكُنية من قطعة لحمٍ لم تتشكل بعد.. ويد القابلة تحاول فى الحبل السُّرّي..
..
..
شب الولد
ترعرع
كبر
وحمل الحزن
وحمل العشق
وحمل عصا الترحال..وطاف الدنيا
انتصر..انكسر..اختلف..تشاجر..وتصالح مع كل الأشياء
الا اسمه
كان يحس بأن الاسم حياديٌ ..ومسطح.. لا ملمح فيه
كان يريد الاسم المرآة العاكس لخفايا القلب وفوران الروح
اسم رهّاجٌ..ثوريٌّ..حادُّ ..متمرد
ياكم مرت فى ذاكرة الولد الاسماء..تمنى أن يلبس أحداها
عنتر
طرفة
عروة
علقمة الفحل
مهلهل
ديك الجن
ناظم حكمت
طاغور
لوركا
كل الاسماء رضاها الا اسمه
هذا الشئ الخالى من أية معنى. .(محمود)
..
..
حتى قابلها
فى ذات نهارٍ آتٍ من أقصى مرجٍ فى بستان الحلم
نظرت فى عينيه
رأت هالات الحزن المتخفي والشجن المخبوء
نظر الى عينيها
أرخت فوق الفيروز الهدب الساحر حتى لايقتل هذا العاشق نفسه
صمت كثيراً
صمتت أكثر
حتى ابتدرته بسؤال
- مااسمك ؟..
آه..جئنا للاسم
..منذ الصرخات الاولى للميلاد..وحتى الآن وبينى والاسم خصام لايهدا
.. وتمنى أن تتجاوز عما سألت ..لكن لافائدة
رد..وود بألاتسمع
: اسمي محمود
- محمود..
..انتفضت كل خلايا روحه..قال لها ..وبحدة
: اعيدى ماقلتيه الآن رجاءا..لا ..لا ارجو..بل أأمر..
قالت ببراءة طفلة
- ماقلت سوى محمود
هتف بسره
(آهٍ..ياويلي
هل اسمى حلوٌ
ولهذا الحد )
مر ّ على ياقوت اللثغة.. فتموسق(.) وتنغّم ..خرج رهيفاً..شفافاً يترقرق بالزهو
صارت ميم : مواسم من فرحٍ..
ومآذن يرسمها الفجر على أقواس سماءٍ لايهدأ فيها التسبيح
مواويلا ًنامت فى حضن الناي
والحاء : حنينٌ تحمله حوريات الحب ..تحط على حافات القلب ..
يصير غماماً يغفو الولد العاشق تحت ظلاله
والميم الأخرى : صارت للقلب مرافئ ..
يكفي هذا
يكفى جداً
(انّى مكتوف القلب ..فكيف أبوح)
والواو : ورد وهّاجٌ يهمي فى وقت ٍ لاانساه ولاينساني
أورق فيه الوجد على وديان الروح
والدال : آهٍ من هذى الدال
لن أتكلم ..فلتتكلم عنى الدال .. قولي أنتِ يادال ..
عن بعض السر المخبوء بذاتك
لكن اياك ِ الافصاح بكل السر
د : ( قالوا عنى دمدمة القلب اذا اوجعه البوح.. ودوزنة الاوتار لكي تتهجى أبهى الالحان..وديباج الليل اذا ارخاه على السُّمّار ) ..هذا قول عادي مألوف يعرفه كل صغار العشاق ..ومبتدئي الشعر.. ومحترفى الالفاظ البراقة .. أما مايجعلنى – وبحق – أميرة كل الاحرف.. انّي
دالي.. الفي ..لامي ..كُلّي مفتتحٌ للاسم الابهى والاشهى
الاغلى والاحلى
الانقى والارقى
الاجمل والاكمل
اسم مليكتنا الحلوة
هذا قدري الرائع
أن يُبسط عرشى فى مدخل باب مدينتها
وتمر علي وفود.. أثر وفود
...كم سرب عصافيرٍ جاء لينهل من نعناع الصوت الذائب فى ياقوت اللثغة
...وقوافل عطرٍ هلّت بقيادة سيدها المِسك لتقرأ آخر أخبار الطيب
فترقى وتغير من كيمياء طبيعتها
..وطواويس ٌ جاءت لتلون تيجان الزهو وريش الروعة
..وورود طافت فوق الخد لتسكر من أرج اللون الشفقي الوهّاج
.. وشموس قدمت كي تتحنى من تبر جدائلها
..وأهلّة تتهيأ ان تصبح أقماراً جاءت كي تكمل حصتها من فيض النور الساري من عينيها
وكثيرٌ..وكثيرٌ ..وكثيرٌ جداً
وأنا بالباب
أرتب..وأنسق كل مواعيد السادة زوارمدينتها
أعطي هذا تذكرة مرور ..
هذا يتقدم ..
هذا يتاخر
حتى لاترتبك حبيبتنا الحلوة
والكل وقوف عند الباب لدي
ليحظى بالامر السامي مني كي يدخل
كم يستعطفني عصفور
ويرشونى طاووس
وتغازلنى وردة
وأنا قائم بمهمتي الكبري لاالقي سمعا لأحد
هذا قدري الأروع ..قدر حروفي (دالى..ألفى ..لامي)
لم يبق من الاسم الاجمل الاحرفين ودودين كريمين اشتبكا ..واعتنقا حتى صارا اسماً لنداءٍ مهموسٍ ترسله الحلوة سهماً للولد العاشق .. يا..محمود تقدم حيث أنا ..فأنا ال.. )))))))))
كُفّي يادال.. قتلتينى بالبوح..عودي أدراجك.. مقعدك بآخر اسمي..عرشك فى أول اسم حبيبتنا
لكن بالله عليك ِ..جُرّي اسمي ..وبرفقٍ..نحو الاسم الاجمل ..كوني جسراً بين الاسمين ..اتّحدي ..حتى نتقارب ..نتلاصق..نتعانق .. يفنى كل منا فى ذات الآخر..يخرج هذا التركيب المزجي الرائع
من ينظرها سيراني
من ينظرني سيراها
..
..
يا داليا ..هذا حكم الاسماء علينا ..ولاراد لما حكمت
هيا نحوي..فجهات القلب مفتّحة نحوكِ ..غوصى فى ذاتي
نهرك يعرف ظامئه
حسنك يرجو شاعره
وفؤادكِ..ناداني
هيا..كي نتداخل
كي نتمازج
كى نتوحد
فأصير أنا أنتِ
وأنتِ أنا