أترى الصبا خطرتْ بوادي المنحنة ؟ - محمود سامي البارودي

أترى الصبا خطرتْ بوادي المنحنة ؟
فجنتْ عبيرَ المسكِ منْ ذاكَ الجنى ؟

مَرَّتْ بِنَا طَفَلَ الَعَشِيِّ، فَمَا دَرَى
أحدٌ بسرَّ ضميرها إلاَّ أنا

و تحملتْ سرَّ الهوى ؛ فترددتْ
بِرَسَائِلِ الأَشْوَاقِ فِيمَا بَيْنَنَا

عبقتْ غلائلها بنشرِ عرارة ٍ
بَدَوِيَّة ٍ، بِسِوَى الأَنَامِلِ تُجْتَنَى

تَحْمِي مَنَابِتَهَا قَسَاوِرُ غَارَة ٍ
يَجِدُونَ صَعْبَ الْمَوْتِ خَطْباً هَيِّنَا

منْ كلَّ مشتملٍ بشعلة ِ صارمٍ
أمضى منَ الأجلِ الوحيَّ إذَ ادنا

وَ بمسقطِ العلمينِ جؤذرُ كلة ٍ
يُصْمِي بِنَظْرَتِهِ الأُسُودَ إِذَا رَنَا

صنعَ الوشاة ُ لهُ حديثاً كاذباً
فقسا عليَّ ، وَ كانَ سهلاً لينا

مَاذَا عَلَيْهِ ـ وَلاَ أُرِيدُ مَلاَمَة ً ـ
لَوْ جَادَ مَعْهَا بِالتَّحِيَّة ِ أَوْ كَنَى ؟

إني لأقنعُ منْ هواهُ بنظرة ٍ
تُرْوِي الْغَلِيلَ مِنَ الصَّدَى لَوْ أَمْكَنَا

أخنى عليَّ معَ الزمانِ ، وَ ليتهُ
لما أساءَ الدهرُ صنعاً أحسنا

وَرَأَى الْمَشِيبَ تَلَوَّنَتْ أَلْوَانُهُ
في عارضيَّ منَ الأسى ؛ فتلونا

وَالْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا رَهِينُ حَوَادِثٍ
تودى بجدتهِ ، وَ تلبسهُ الضنى

ليتَ المشيبَ تأخرت أيامهُ
حَتَّى أَفْوزَ مِنَ الشَّبِيبَة ِ بِالْمُنَى