ألا هتفَت بالأيكِ ساجِعة ُ القُمرِ - محمود سامي البارودي

ألا هتفَت بالأيكِ ساجِعة ُ القُمرِ
فَطُف بالحُميَّا ، فهى ريحانة ُ العُمرِ

وإن أنتَ أترَعتَ الأباريقَ فلتَكن
سُلاَفاً، وَإِيَّاكَ الْفَضِيخَ مِنَ التَّمْرِ

فقاتلة ُ العُرجونِ للفاقدِ النَّدى
وصافية ُ العُنقودِ للماجدِ الغَمرِ

مُوَرَّدَة ٌ، تَمْتَدُّ مِنْهَا أَشِعَّة ٌ
تَدورُ بِها فى ظلِّ ألوية ٍ حُمرِ

إذا شجَّها السَّاقونَ دارَ حبابُها
عَليها ، كما دارَ الشَّرارُ على الجَمرِ

ثَوتْ فى ضميرِ الدَّهرِ والجوُّ ظُلمَة ٌ
بِلا كوكب ، والأرضُ تَسبحُ فى غَمرِ

فجاءت ، ولولا عَرفُها وبريقُها
لَكَانَتْ خَفاً بَيْنَ الدَّسَاكِرِ كَالضَّمْرِ

تُزَفُّ بأَلْحَانِ الْمَثَانِي كُئُوسُهَا
كَمَا زُفَّتِ الْحَسْنَاءُ بِالطَّبْلِ وَالزَّمْرِ

كُمَيْتٌ جَرَتْ في حَلْبَة ِ الدَّهْرِ، فَانْطَوَتْ
ثَميلَتُها ، والخيلُ تُحمَدُ بالضُّمرِ

فكَم بينَ آصالٍ أدَرنا كئوسَها
وَبَيْنَ لَيَالٍ مِنْ كَوَاكِبِها نُمْرِ

إِذَا أَنْتَ قَامَرْتَ الزَّمَانَ عَلَى الْمُنَى
بِمَا دَارَ مِنْ أَقْداحِها فُزْتَ بِالْقَمْرِ

فخُذ فى أفانينِ الخلاعة ِ والصِّبا
ودَعنى مِن زَيدِ النُّحاة ِ ومِن عَمرِ

أولئكَ قَومٌ فى حُروبٍ تفاقمَتْ
ولكِن خَلَتْ مِن فَتكة ِ البيضِ والسُمرِ

فَمَا تَصْلُحُ الأَيَّامُ إِلاَّ إِذَا خَلَتْ
قُلُوبُ الْوَرَى فِيها مِنَ الْحِقْدِ وَالْغِمْرِ

وَلاَ تَتَعَرَّضْ لامْرِىء ٍ بمَسَاءَة ٍ
ولا تحتلِبْ ضَرعَ الشِقاقِ ، ولا تَمرِ

ولا تَحتَقِر ذا فاقة ٍ بينَ طِمرهِ
فَيَا رُبَّ فَضْلٍ يَبْهَرُ الْعَقْلَ في طِمْرِ

وكيفَ يعيشُ المرءُ فى الدّهرِ آمناً
وَلِلْمَوْتِ فِينا وَثْبَة ُ اللَّيْثِ وَالنِّمْرِ؟

وَمَا أَحْسَبُ الأَيَّامَ تَصْفُو لِعاقِلٍ
ولَكِن صفاءَ العيشِ لِلجاهلِ الغًمرِ

سَعَيْتُ فَأَدْرَكْتُ الْمُنَى في طِلابِها
وكُلُّ امرئٍ فى الدَّهرِ يَسعى إلى أمرِ