أدرِ الكأسَ يا نديمُ ، وهاتِ - محمود سامي البارودي

أدرِ الكأسَ يا نديمُ ، وهاتِ
واسْقِنِيها عَلَى جَبِينِ الْغَدَاة ِ

شاقَ سمعى الغِناءُ فى رونقِ الفجـ
ـرِ، وسَجْعُ الطُّيُورِ في الْعَذَباتِ

أَيُّ شَيْءٍ أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ كَأْ
سٍ مُدارٍ على بساطِ بناتِ ؟

هُوَ يَوْمٌ تَعَطَّرَتْ طَرَفاهُ
بشمالٍ مسكيَّة ِ النفحاتِ

باسمُ الزَّهرِ ، عاطرُ النَّشرِ، هامى الـ
ـقَطْرِ، وَانِي الصَّبَا، عَلِيلُ الْمَهَاة ِ

مَسْرَحٌ لِلْعُيُونِ يَمْتَدُّ فِيهِ
نفسُ الريحِ بينَ ماضٍ وآتِ

فامْتَثِلْ دَعْوَة َ الصَّبُوحِ، وبادِرْ
فُرْصَة َ الدَّهْرِ قَبْلَ وَشْكِ الْفَواتِ

وتَدَرَّجْ مَعِي إِلَى رَوْضَة ِ الْمَنْـ
ـيَلِ ذاتِ النَّخِيلِ والثَّمَراتِ

فهى مرعى الهوى ، ومغنى التَّصابى
ومَراحُ الْمُنَى ، ومَسْرَى الْحَياة ِ

أَلفتها النفوسُ ، فهى َ إليها
مِنْ أَلِيمِ الأَشْواقِ فِي حَسَراتِ

تبعَثُ اللَّهوَ والسُّرورَ، وتمحو
مِنْ فُؤَادِ الْحَزِينِ كُلَّ شَكاة ِ

بَيْنَ نَدْمانَ كَالكَواكِبِ حُسْناً
ورعابيبَ كالدُّمى خَفِراتِ

يتساقّونَ بالكئوسِ مُداماً
هى كالشَّمسِ فى قميص إياة ِ

فى أباريقَ كالطيورِ اشرأبَّت
حَذَرَ الفَتْكِ مِنْ صِيَاحِ الْبُزَاة ِ

حانياتٍ على الكئوسِ منَ الرأ
فة ِ ، يُرضِعنَهنَّ كالأمهاتِ

لا ترى العينُ بينهُمْ غيرَ صبٍّ
بِسماعٍ ، أو هائمٍ بفتاة ِ

ومغنٍّ إذا شدَا خِلتَ أنَّ الـ
أرضَ ظلَّت تدورُ بالفلواتِ

مَلَكَ السَّمْعَ والْفُؤادَ بلَحْنٍ
يفتِنُ الغيدَ داخِلَ الحجُراتِ

يبعّثُ الصوتَ مرسلاً ، فإذا ما
غضَّ منهُ استدارَ بينَ اللَّهاة

غردٍ يبطِلُ الحديثَ ، ويُنسى
رَبَّة َ الْحُزْنِ لَوْعَة َ الذُّكُرَاتِ

تِلْكَ واللَّهِ لَذَّة ُ الْعَيْشِ، لا سَوْ
مُ الأمانى فى عالمِ الخطراتِ